بصريح سب، وبهذا ترجم البخاري على هذا الحديث: باب إذا عرّض الذميّ أو غيره بسب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم.
وقال بعض علمائنا: ليس هذا بتعرض بالسب، وإنما هو تعرض بالأذى.
قال القاضي عياض: الأذى والسب في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم سواء، قال القاضي أبو محمد بن نصر مجيبا عن هذا الحديث ببعض ما تقدم، ثم قال ولم يذكر في الحديث هل كان هذا اليهودي من أهل العهد والذمة أو الحرب، ولا يترك موجب الأدلة المحتملة كله، والأظهر من هذه الوجوه مقصد الاستئلاف والمداراة على الدين، لعلهم يؤمنون.
ولذلك ترجم البخاري على حديث القسمة والخوارج باب: من ترك قتال الخوارج للتألف ولئلا ينفر الناس عنه، وقد صبر لهم صلّى اللَّه عليه وسلم على سحره، وسمه، وهو أعظم من سبه، إلى أن نصره اللَّه تعالى عليهم وأذن له في قتل من عينه منهم، وإنزالهم من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب، وكتب على من شاء منهم الجلاء، وأخرجهم من ديارهم، وخرب بيوتهم بأيديهم، وأيدي المؤمنين وكاشفهم بالسب فقال: يا إخوة القردة والخنازير، وحكم فيهم سيوف المسلمين، وأجلاهم من جوارهم، فإن قتله فقد جاء في الحديث الصحيح عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما انتقم لنفسه في شيء يؤثر إليه قط إلا أن تنتهك حرمة اللَّه فينتقم للَّه.
فاعلم أن هذه لا تقتضي أنه لم ينتقم ممن سبه أو آذاه وكذبه، وأن هذه من حرمات اللَّه التي انتقم لها، وإنما يكون ما لا ينتقم له فيما تعلق بسوء أدب أو معاملة من القول والفعل، بالنفس والمال، مما لم يقصد فاعله به أذاه، ولكن مما جبلت عليه الأعراب من الجفاء، والجهل، أو جبل عليه البشر من السفه، كجبذ الأعرابي بإزاره حتى أثر في عنقه، وكرفع صوت الآخر عنده، وكجحد الأعرابي في شرائه منه فرسه التي شهد فيها خزيمة بن ثابت وكما كان من تظاهر زوجيه عليه، وأشباه هذا مما يحسن الصفح عنه، أو يكون هذا مما أذاه به كافر، وجاء بعد ذلك إسلامه كعفوه عن اليهودي الّذي سحره، وعن اليهودية التي سمته، وعن الأعرابيّ الّذي أراد قتله.