في شهادة بعض من شهد عليه، وشاهدت شيخنا القاضي أبا عبد اللَّه بن عيسى أيام قضائه، أتى برجل هاتر رجلا اسمه محمد، ثم قصد إلى كلب فضربه برجله، وقال له: قم يا محمد، فأنكر الرجل أن يكون قال ذلك وشهد عليه، ومن ثم أطلقه لفيف من الناس، فأمر به إلى السجن وتقصى عن حاله وهل يصحب من يستراب بدينه؟ فلما لم يجد ما يقوى الريبة باعتقاده، ضربه بالسوط وأطلقه.
الوجه الخامس: أن لا يقصد بقصد ولا يذكر عيبا ولا سبا ولكنه ينزع بذكر بعض أوصافه أو يستشهد ببعض أحواله صلّى اللَّه عليه وسلّم الجائزة عليه في الدنيا على طريق ضرب المثل، والحجة لنفسه أو لغيره، أو على التشبه به، أو عند هضيمة نالته، أو لغضاضة لحقته، لنفسه أو لغيره، أو على سبيل التمثيل، وعدم التوقير لنبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو قصد الهزل، والتنذير بقوله كقول القائل: إن قيل في السوء فقد قيل في النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، أو إن كذبت فقد كذب الأنبياء أو إن أذنبت فقد أذنبوا وأنا أسلم من ألسنة الناس لم يسلم منهم أنبياء اللَّه ورسوله، أو قد صبرت كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، أو كصبر أيوب، أو قد صبر نبي اللَّه عن عداه، وحلم عليّ أكثر مما صبرت، وكقول المتنبي:
أنا في أمة تداركها اللَّه ... غريب كصالح في ثمود
ونحوه من أشعار المتعجرفين في القول المتساهلين في الكلام، كقول المعري:
كنت موسى وافته بنت شعيب ... غير أن ليس فيكما فقير
على أن آخر البيت شديد، وداخل في باب الإزراء والتحقير بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وتفضيل حال غيره عليه.
وكذلك قوله:
لولا انقطاع الوحي بعد محمد ... قلنا محمد بأبيه بديل
هو مثله في الفضل إلا أنه ... لم يأته برسالة جبريل
فصدر البيت الثاني في هذا الفصل شديد، لتشبيه غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في فضله، والعجز محتمل لوجهين، أحدهما: أن هذه الفضيلة نقصت الممدوح، والآخر