منصرفه من حجته كالرجل الّذي ينذر الغارة ويقول: اسم اسم صبحتم أو مسيتم ويأتي البقيع كل خميس ويستغفر لأهله.
وقال سيف عن عطية عن الضحاك. عن ابن عبّاس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: كان اللَّه عز وجل قد عهد إلى نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه متوفيه على حين فراغة من الّذي نعته به، وأمره أن ينعي إلى أمته نفسه بعزته لكيلا يفتتنوا من بعده فقرأ عليهم إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وقص عليهم رؤيا رآها أن القمر ولي إليه ثم رفع وقال لهم غداة عرفات: إني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا. وعن محمد بن كريب، عن أمية، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قد نعى لنا نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نفسه مرارا لو علمنا عنه، فكره أن يفجعنا فلم نعرف ما ذاك حتى كان من أمره حين أنزل اللَّه تعالى عليه إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وحين قال: إني رأيت بأن القمر ولي لي بامرأتين فركبته ثم رفعت إلي السماء حين قال: إني لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا أبدا
وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم على المنبر: إن عبدا خيره اللَّه تعالى أن يكون ملكا مخلدا في الدنيا ما بقيت، ثم الجنة وبين ما عنده. فاختار ما عند اللَّه عزّ وجلّ.
وقال سيف: عن الوليد بن عبد اللَّه عن أبيه، عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: آخر من بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الملوك عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- منصرفه من حجته وكان كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذلك آخر حجة أصبح بها علي من يليه إلي من وراءه حتى يجاز عليه فتمت حجة اللَّه وكمل الدين فأوضح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شأن موته عند تكامل الأحكام فأدرج الأمور إدراجا وما ندري لم ذلك حتى وقع الأمر.
وخرج البيهقي من طريق راشد بن سعد، عن عاصم بن حميد السكونيّ أن معاذ بن جبل صلّى اللَّه عليه وسلّم راكب ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يمشي تحت راحلته، فلما فرغ، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري. فبكى معاذ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: البكاء أو إن البكاء من الشيطان [ (١) ] .
[ (١) ] (دلائل البيهقي) : ٥/ ٤٠٤- ٤٠٥، وفي (الأصل) : فإن البكاء من الشيطان، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : ٦/ ٣١١، حديث رقم (٩٢١٥٤٩) ، حديث معاذ بن جبل.