فسألتها عن ذلك فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وذكر في الوفاة النبويّة، قال ابن بطال: مسارة الواحد مع الواحد بحضرة الجماعة جائر لأن المعنى الّذي يخاف من ترك الواحد لا يخاف من ترك الجماعة قلت: وسيأتي إيضاح هذا، قال: وفيه أنه لا ينبغي إفشاء السر إذا كانت فيه مضرة على المرء، لأن فاطمة لو أخبرتهم لحزن لذلك حزنا شديدا، وكذا لو أخبرتهن أنها سيدة نساء المؤمنين لعظم ذلك عليهنّ واشتد حزنهن، فلما أمنت من ذلك بعد موته أخبرت به. قلت: أما الشق الأول فحق العبارة أن يقول: فيه جواز إفشاء السر إذا زال ما يترتب على إفشائه من المضرة، لأن الأصل في السر الكتمان وإلا فما فائدته؟ وأما الشق الثاني فالعلة التي ذكرها مردودة، لأن فاطمة- رضى اللَّه عنها- ماتت قبلهن كلهن وما أدري كيف خفي عليه هذا؟ ثم جوزت أن يكون في النسخة سقم وأن الصواب فلما أمنت من ذلك بعد موته، وهو أيضا مردود لأن الحزن الّذي علل به لم يزل بموت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بل لو كان كما زعم لاستمر حزنهن على ما فاتتهن من ذلك، وقال ابن التين يستفاد من قول عائشة (عزمت عليك بمالي عليك من الحق) جواز العزم بغير اللَّه، وقال: وفي (المدونة) عن مالك إذا قال: أعزم عليك باللَّه فلم يفعل لم يحنث، وهو كقوله لك اسألك باللَّه، وإن قال: أعزم باللَّه أن تفعل فلم يفعل حنث، لأن هذا يمين انتهى، والّذي عند الشافعية أن ذلك في الصورتين يرجع إلى قصد الحالف، فإن قصد يمين نفسه فيمين، وإن قصد يمين المخاطب أو الشفاعة أو أطلق فلا.