للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وأبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، في رجال من المهاجرين والأنصار عدة: قتادة ابن النعمان، وسلمه بن أسلم بن حريش، فقال رجال من المهاجرين، وكان أشدهم في ذلك قولا عياش بن أبي ربيعة: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين؟ فكثرت المقالة في ذلك فسمع عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعض ذلك القول، فردّه على من تكلّم به، وجاء إلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخبره بقول من قال، فغضب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غضبا شديا، وخرج قد عصب على رأسه عصابة، وعليه قطيفة، ثم صعد المنبر فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، يا أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ولقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وأيم اللَّه إن كان للإمارة لخليقا وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحبّ الناس إليّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليّ وإنهما لمخيلان لكل خير [ (١) ] فاستوصوا به خيرا فإنه لمن خياركم.

ثم نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فدخل بيته، وذلك يوم السبت لعشر ليال خلون من ربيع الأول، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامه يودعون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيهم عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول:

أنفذوا بعث أسامة! ودخلت أم أيمن فقالت: أي رسول اللَّه! لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تتماثل، فإن أسامة إن خرج علي حالته هذه لم ينتفع بنفسه.

فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أنفذوا بعث أسامه، فمضى الناس إلي المعسكر فباتوا ليلة الأحد، ونزل أسامة يوم الأحد، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثقيل مغمور، وهو اليوم الّذي لدوه [ (٢) ] فيه فدخل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعيناه تهملان، وعنده العباس والنساء حوله فطأطأ عليه أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقبّله، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يتكلم فجعل يرفع يده إلي السماء ثم يصبها على أسامة قال: فأعرف أنه كان يدعو لي.


[ (١) ] فلان مخيل للخير: أي خليق له.
[ (٢) ] لدوه: أعطوه الدواء، واللدود: ما يصب بالمسعط من الدواء في أحد شقي الفم.