للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه السلام الأعرابيّ وقال: شأنكم بها، فأكلوها، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا ذكر صنعه ضحك حتى تبدو نواجذه.

وقال زائدة عن أبان عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد اللَّه قال: ما حجبني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ أسلمت، ولا رآني إلا ضحك [ (١) ] .

وفي الصحيح أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حكى عن رجل أخرج من النار فقيل له:

تمنّ، فتمنى، فيقال له: ما تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا، فيقول أتسخر بي وأنت الملك؟

فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت نواجذه [ (٢) ] .

ولابن حبان من حديث الليث عن جرير بن حازم عن الحسن بن عمارة عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه قال: لما بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى اليمن، أتاني ثلاثة نفر يختصمون في غلام ابن امرأة وقعوا عليها جميعا في طهر واحد!! كلهم يدعى أنه ابنه، فأقرعت بينهم، فألحقته بالذي أصابته القرعة، ولصاحبيه مثلي دية الحد، فلما قدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذكرت له ذلك فضحك حتى ضرب برجليه الأرض ثم قال: حكمت فيهم بحكم


[ (١) ] رواه (البخاري) ج ٤ ص ٦٤ ولفظه: «ما حجبني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي ... » .
[ (٢) ]
(مسند أحمد) ج ١ ص ٣٧٩، ولفظه: «قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني لأعرف آخر أهل النار خروجا من النار رجل يخرج منها زحفا، فيقال له: انطلق فادخل الجنة، قال: فيذهب يدخل فيجد الناس قد أخذوا المنازل، قال: فيرجع فيقول: قد أخذ الناس المنازل، قال: فيقال له: أتذكر الزمان الّذي كنت فيه؟ قال: فيقول: نعم، فيقال له: تمنه، فيتمنى، فيقال: إن لك الّذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا، قال: فيقول: أتسخر بي وأنت الملك؟ قال: فلقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضحك حتى بدت نواجذه» .
ورواه (مسلم) بلفظ آخر وزاد فيه «قال: فكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة» (مسلم بشرح النووي) ج ٢ ص ٤٠،
وأما معنى «أتسخر بي» هنا ففيه أقوال أشهرها ما قاله القاضي عياض:
أن يكون هذا الكلام صدر من هذا الرجل وهو غير ضابط لما قاله لما ناله من السرور ببلوغ ما لم يخطر بباله، فلم يضبط لسانه دهشا وفرحا، فقال وهو لا يعتقد حقيقة معناه، وجرى على عادته في الدنيا في مخاطبة المخلوقين، وهذا كما
قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الرجل الآخر: أنه لم يضبط نفسه من الفرح فقال: أنت عبدي وأنا ربك،
واللَّه أعلم.
والمراد بالنواجذ هنا الأنياب، وقيل المراد بها الضواحك، وقيل المراد بها الأضراس، وهذا هو الأشهر في إطلاق النواجذ في اللغة، ولكن الصواب عند الجمهور ما قدمناه، وفي هذا جواز الضحك وأنه ليس بمكروه في بعض المواطن ولا بمسقط للمروءة إذا لم يجاوز به الحد المعتاد من أمثاله في مثل تلك الحال، واللَّه أعلم.