للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن إسحاق: وشاورهم في الأمر: أي لقولهم أنك تسمع منهم وتستعين بهم، وإن كنت عنهم غنيا، تألفهم بذلك على دينهم.

وقال الشافعيّ، وكقوله عليه السلام: والبكر تستأمر، تطييبا لقلبها لأنه واجب.

وقال آخرون: بل أمره اللَّه بمشورتهم في ذلك ليتبين له الرأى وأصوب الأمور في الأمور، لما علم اللَّه تعالى في المشورة من الفضل. وإلى هذا ذهب الضحاك ابن مزاحم والحسن.

قال الضحاك: ما أمر اللَّه نبيه بالمشورة إلا لما علم فيها من الفضل، وعن الحسن: ما شاور قوم قطّ إلا هدوا لأرشد أمورهم.

وقال آخرون: إنما أمره [ (١) ] اللَّه بمشاورة أصحابه مع استغنائه عنهم، ليتبعه المؤمنون وبعده فيما جدّ لهم من أمر دينهم، لأنهم إذا تشاوروا في أمر دينهم متبعين الحق في المشورة، لم يخلهم اللَّه من لطفه وتوفيقه إياهم للصواب من الرأي، ونظيره قوله تعالى فيما مدح به المؤمنين: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ [ (٢) ] .

قال سفيان بن عيينة في قوله: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ: قال: هي للمؤمنين أن يتشاوروا فيما لم يأتهم عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيه أثر.

واختار أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: أن اللَّه تعالى أمر نبيه بمشاورة أصحابه فيما حزبه [ (٣) ] من أمر عدوّه ومكائد حربه تألفا منه بذلك لمن لم يأمن عليه الفتنة، وتعريفا لأمته ليقتدوا به في ذلك عند النوازل، وأما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن اللَّه تعالى كان يعرف مطالب ما جدّ به من الأمور بوحيه أو إلهامه إياه بالصواب، وأما أمته إذا تشاوروا مستنين بفعله فإنه تعالى يسددهم [ (٤) ] .

وقد خرّج ابن حبان من حديث طلحة بن زيد عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ما رأيت رجلا أكثر استشارة للرجال من


[ (١) ] في (خ) «أمر اللَّه» .
[ (٢) ] الآية ٣٨/ الشورى.
[ (٣) ] في (خ) «جذّبه» وما أثبتناه من (الطبري) .
[ (٤) ] (جامع البيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري) ج ٣ ص ١٥٣.