للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكر محمد بن إسحاق فيمن هاجر إلى الحبشة أبا موسى الأشعري، وأنكر ذلك الواقدي وغيره. وهذا ظاهر لا يخفى على من دون ابن إسحاق، فإن أبا موسى إنما هاجر من اليمن إلى الحبشة إلى عند جعفر، كما ثبت في الصحيح وغيره. وقد قيل إن قريشا بعثت عمرو بن العاص وعبد اللَّه بن أبي ربيعة بعد وقعة بدر، فلما


[ () ] سيوم- والسيوم: الآمنون- قد منعكم اللَّه، وأمر لهم بما يصلحهم.
فقال النجاشيّ: أيّكم أدرس للكتاب الّذي أنزل على نبيكم؟ قالوا، جعفر، فقرأ عليهم سورة مريم (عليها السلام) ، فلما سمعها عرف أنه الحق، وقال النجاشيّ: زدنا من هذا الكلام الطيب، ثم قرأ عليه سورة أخرى، فلما سمعها عرف الحق، وقال: صدقتم وصدق نبيكم صلّى اللَّه عليه وسلّم، أنتم واللَّه صدّيقون، امكثوا على اسم اللَّه وبركته، آمنين ممنوعين، وألقى عليهم المحبّة من النجاشيّ.
فلما رأى ذلك عمارة بن الوليد وعمرو بن العاص سقط في أيديهما، وألقى اللَّه بين عمرو وعمارة العداوة في مسيرهما قبل أن يقدما على النجاشيّ ليدركا حاجتهما التي خرجا لها من طلب المسلمين، فلما أخطأهما ذلك، رجعا بشرّ ما كانا عليه من العداوة وسوء ذات البين، فمكر عمرو بعمارة، فقال: يا عمارة، إنك رجل جميل وسيم، فأت امرأة النجاشيّ فتحدّث عندها إذا خرج زوجها، تصيبها فتعيننا على النجاشيّ، فإنك ترى ما وقعنا فيه من أمرنا، لعلنا نهلك هؤلاء الرهط.
فلما رأى ذلك عمارة انطلق حتى أتى امرأة النجاشيّ، فجلس إليها يحدثها، وخالف عمرو بن العاص إلى النجاشيّ فقال: إني لم أكن أخونك في شيء علمته إذ أطلعت عليه، وإن صاحبي الّذي رأيت لا يتمالك عن الزنا إذا هو قدر عليه، وإنه قد خالف إلى امرأتك، فأرسل النجاشيّ إلى امرأته، فإذا هو عندها، فلما رأى ذلك أمر به فنفخ في إحليله سحر، ثم ألقى في جزيرة البحر فعاد وحشيا مع الوحش، يرد ويصدر معها زمانا، حتى ذكر لعشيرته، فركب أخوه، فانطلق معه بنفر من قومه، فرصدوه حتى إذا ورد أوثقوه فوضعوه في سفينة ليخرجوا به، فلما فعلوا به ذلك مات، وأقبل عمرو إلى مكة قد أهلك اللَّه صاحبه، ومنع حاجته.
هذا الحديث مرسل، وفيه ابن لهيعة وهو صدوق، ولكنه خلط بعد احتراق كتبه، ولكن أورده الهيثمي في (مجمع الزوائد) ٦/ ٢٧ بسياقة أخرى فيها تقديم وتأخير وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، غير ابن إسحاق، وقد صرّح بالسماع، وأخرجه أبو نعيم في (الحلية) ١/ ١١٥، و (السيرة) ٢/ ١٧٩- ١٨٠.
وفي هذا الحديث من الفقه: الخروج عن الوطن وإن كان الوطن مكة على فضلها، إذا كان الخروج فرارا بالدين، وإن لم يكن إسلام، فإن الأحباش كانوا نصارى يعبدون المسيح ولا يقولون: هو عبد اللَّه، وقد تبين ذلك في الحديث.
وسمّوا بهذه مهاجرين، وهم أصحاب الهجرتين الذين أثنى اللَّه عليهم بالسبق، فقال: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ، وجاء في التفسير: أنهم الذين صلوا القبلتين، وهاجروا الهجرتين.
وقد قيل أيضا: هم الذين شهدوا بيعة الرضوان، فانظرا كيف أثنى اللَّه عليهم بهذه الهجرة، وهم قد خرجوا من بيت اللَّه الحرام إلى دار كفر لما كان فعلهم ذلك احتياطا على دينهم، ورجاء أن يخلي بينهم وبين عبادة ربهم، يذكرونه آمنين مطمئنين.