واعلم أن من قال: كان متعبدا بشرع من قبله، إما أن يريد أن اللَّه تعالى كان يوحي إليه بمثل الأحكام التي أمر بها من قبله، أو يريد به أن اللَّه تعالى أمره باقتباس الأحكام من كتبهم، فإن قالوا بالأول، فإما أن يقولوا به في كل شرعه أو في بعضه، والأول معلوم البطلان بالضرورة، لأن شرعنا يخالف شرع من قبلنا في كثير من الأمور. والثاني مسلم [به] [ (١) ] ولكن ذلك لا يقتضي إطلاق القول بأنه متعبد بشرع غيره لأن ذلك يوهم التبعية، وأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ما كان تبعا لغيره بل كان أصلا في شرعه.
وأما الاحتمال الثاني وهو حقيقة المسألة فيدل على بطلانه وجوه:
الأول: لو كان متعبدا بشرع أحد لوجب أن يرجع إلى أحكام الحوادث إلى شرعه، وأن لا يتوقف إلى نزول الوحي، لكن لم يفعل ذلك لوجهين: الأول: أنه لو فعل لاشتهر،
والثاني أن عمر رضي اللَّه عنه طالع ورقة في التوراة فغضب صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي،
ولما لم يكن كذلك علمنا أنه لم يكن متعبدا بشرع أحد، فإن قيل: الملازمة ممنوعة لاحتمال أن يقال: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم علم في تلك الصورة أنه غير متعبد فيها بشرع من قبله، ولا جرم توقف فيها على نزول الوحي عليه، أو لأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم علم خلو شرعهم على حكم تلك الواقعة فانتظر الوحي، أو لأن أحكام تلك الشرائع إن كانت منقولة بالتواتر فلا يحتاج في معرفتها إلى الرجوع إليهم في كتبهم، وإن كانت منقولة بالآحاد لم يجز قبولها، لأن أولئك الرواة كانوا كفارا، ورواية الكفار غير مقبولة سلمنا الملازمة، لكن قد ثبت رجوعه إلى التوراة في الرجم لما احتكم إليه اليهود، والجواب قوله: إنما لم يرجع إليها في شيء من الوقائع إليهم، وجب أنت يكون ذلك لأنه علم أنه غير متعبد في شيء منها بشرع من قبله، قوله: إنما لم يرجع إليها لعلمه بخلو كتبهم عن تلك الوقائع، قلنا: العلم بخلو كتبهم عنها لا يحصل إلا بالمطلب الشديد والبحث الكثير، فكان يجب أن يقع منه ذلك الطلب والبحث. قوله:«ذلك الحكم إما أن يكون متواترا أو آحادا» قلنا:
يجوز أن يكون متن الدليل متواترا إلا أنه لا بد من العلم بدلالته على المطلوب من نظر كثير أو بحث دقيق، وكان يجب اشتغال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالنظر في كتبهم، والبحث عن كيفية دلالتها على الأحكام. قوله:«رجع في الرجم إلى التوراة» قلنا: لم يكن