للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من عالم [القدرة] [ (١) ] الّذي استجمع فيه الكيس والإدراك، ولم ينته إلى الرؤية والفكر بالفعل، وكان ذلك في أول أفق من الإنسان بعده، وهذا غاية شهودنا.

ثم أنا نجد في العوالم على اختلافها آثارا متنوعة، ففي عالم الحس آثار من حركة الأفلاك والعناصر، وفي عالم التكوين آثار من حركات النمو والإدراك تشهد كلها بأن لها مؤثرا مباينا للأجسام، فهو روحاني متصل بالمكونات، لوجود اتصال هذه العوالم في وجودها، وذلك هو النفس المدركة والمحركة، ولا بد فوقها من موجود آخر يعطيها قوى الإدراك والحركة، ويتصل بها أيضا وتكون [ذواته] [ (٢) ] إدراكا صرفا، وتعقلا محضا، وهو عالم الملائكة، فوجب من ذلك أن يكون للنفس استعداد للانسلاخ من البشرية إلى الملائكية، لتصير بالفعل من جنس الملائكة وقتا من الأوقات، وفي لمحة من اللمحات، وذلك بعد أن تكمل ذاتها الروحانية بالفعل- كما نذكره بعد [ذلك] [ (٣) ] إن شاء اللَّه- ويكون لها اتصال بالأفق الّذي بعدها، شأن الموجودات المترتبة كما قدمناه، فلها في الاتصال جهة العلو والسفل، فهي متصلة بالبدن من أسفل منها، ومكتسبة به المدارك الحسية التي تستعد بها للحصول على التعقل بالفعل، ومتصلة من جهة الأعلى منها بأفق الملائكية، ومكتسبة منه المدارك العلية والغيبية، فإن علم الحوادث موجود في ذواتهم من غير زمان، وهذا على ما قدّمناه من الترتيب المحكم في الوجود باتصال ذواته وقواه بعضها ببعض.

ثم إن هذه النفس الإنسانية غائبة من العيان، وآثارها ظاهرة في البدن، وكأنه وجميع أجزائه مجتمعة ومتفرقة آلات للنفس ولقواها، أما الفاعلة: فالبطش باليد، والمشي بالرجل، والكلام باللسان، والحركة الكلية بالبدن متدافعا، وأما المدركة وإن كانت قوى الإدراك مترتبة ومرتقبة إلى القوة العليا منها وهي المعركة التي يعبرون عنها بالناطقة، فقوى الحس الظاهر بآلاته من البصر والسمع وسائرها ترتقي إلى الباطن، وأوله الحسن المشترك، وهو قوة تدرك المحسوسات، مبصرة، ومسمعة، وملموسة، وغيرها في حالة واحدة، وبذلك فارقت قوة الحس الظاهر، لأن


[ (١) ] في (خ) : «القردة» .
[ (٢) ] في (خ) : «ذواية» .
[ (٣) ] زيادة للسياق.