أما قوله: «إن أول ما أنزل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، فهو ضعيف بل باطل، والصواب أن أول ما أنزل على الإطلاق: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، كما صرح به في حديث عائشة رضي اللَّه عنها، وأما يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ فكان نزولها بعد فترة الوحي، كما صرح به في رواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر، والدلالة صريحة فيه في مواضع، منها قوله وهو يحدث عن فترة الوحي إلى أن قال: فأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، ومنها قوله: ثم تتابع الوحي- يعني بعد فترته- فالصواب: أن أول ما نزل: اقْرَأْ، وأن أول ما نزل بعد فترة الوحي: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. وأما قول من قال من المفسرين: أول ما نزل الفاتحة، فبطلانه أظهر من أن يذكر. واللَّه أعلم. وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فاستبطنت الوادي» ، أي صرت في باطنه، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في جبريل عليه السلام: «فإذا هو على العرش في الهواء» ، المراد بالعرش الكرسي، كما تقدم في الرواية الأخرى «على كرسي بين السماء والأرض» ، قال أهل اللغة: العرش هو السرير، وقيل: سرير الملك. قال اللَّه تعالى: وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ [الآية ٢٣/ النمل] ، والهواء هنا ممدود يكتب بالألف، وهو الجو بين السماء والأرض كما في الرواية الأخرى، والهواء: الخالي، قال تعالى: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ [الآية ٤٣/ إبراهيم] . قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فأخذتني رجفة شديدة» ، هكذا هو في الروايات المشهورة «رجفة: بالراء» ، قال القاضي: ورواه السمرقندي «وجفة: بالواو» وهما صحيحان متقاربان، ومعناهما: الاضطراب. قال اللَّه تعالى: قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ [الآية ٨/ النازعات] ، وقال تعالى: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ [الآية ٦/ النازعات] ، وقال تعالى: يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ [الآية ١٤/ المزمل] . [ (٢) ] قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «فصبوا على ماء» ، فيه أنه ينبغي أن يصب على الفزع الماء ليسكن فزعه. واللَّه تعالى أعلم. [ (٣) ] وأما تفسير قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، فقال العلماء: المدثر، والمتلفف، والمشتمل، بمعنى واحد، ثم الجمهور على أن معناه المدثر بثيابه. وحكى الماوردي قولا عن عكرمة أن معناه المدثر بالنّبوّة وأعبائها. وقوله تعالى: قُمْ فَأَنْذِرْ، معناه حذّر العذاب من لم يؤمن، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ أي عظمه ونزهه عما لا يليق به، وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ قيل معناه طهرها من النجاسة، وقيل قصّرها، وقيل: المراد بالثياب النفس، أي طهرها من الذنب وسائر النقائص. وَالرُّجْزَ بكسر الراء في قراءة الأكثرين، وقرأ حفص بضمها، وفسره في الكتاب الأوثان، وكذا قاله جماعات من المفسرين. والرّجز في اللغة العذاب، وسمّي الشرك وعبادة الأوثان رجزا لأنه سبب العذاب، وقيل: المراد بالرجز في الآية الشرك، وقيل: الذنب وقيل: الظلم. واللَّه أعلم. (مسلم بشرح النووي) : ٢/ ٥٦٥- ٥٦٧، كتاب الإيمان باب (٧٣) حديث رقم (٢٥٧) .