قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه فمن قال لا إله إلا اللَّه فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على اللَّه» ، قال الخطابي رحمه اللَّه: معلوم أن المراد بهذا أهل الأوثان دون أهل الكتاب، لأنهم يقولون: لا إله إلا اللَّه، ثم يقاتلون، ولا يرفع عنهم السيف. قال: ومعنى حسابه على اللَّه: أي فيما يستسرون به ويخفونه، دون ما يخلون به في الظاهر من الأحكام الواجبة. قال: ففيه أن من أظهر الإسلام وأسّر الكفر قبل إسلامه في الظاهر، وهذا قول أكثر العلماء. وذهب مالك إلى أن توبة الزنديق لا تقبل. ويحكى ذلك أيضا عن أحمد بن حنبل رضي اللَّه عنهما. هذا كلام الخطابي. وذكر القاضي عياض معنى هذا، وزاد عليه، وأوضحه، فقال: اختصاص عصمة المال والنفس بمن قال: لا إله إلا اللَّه، تعبير عن الإجابة إلى الإيمان، وأن المراد بها مشركو العرب، وأهل الأوثان، ومن لا يوحد، وهم كانوا أول من دعي إلى الإسلام، وقوتل عليه، فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد، فلا يكتفي في عصمته بقول لا إله إلا اللَّه، إذ كان يقولها في كفره، وهي من اعتقاده، فلذلك جاء في الحديث الآخر: «وأني رسول اللَّه، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة» . هذا كلام القاضي عياض. قال الحافظ ابن حجر: ولا بدّ مع هذا من الإيمان بجميع ما جاء به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، كما جاء في الرواية الأخرى لأبي هريرة، هي مذكورة في الكتاب: «حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، ويؤمنوا بي، وبما جئت به» . واللَّه أعلم. واختلف أصحابنا في قبول توبة الزنديق- وهو الّذي ينكر الشرع جملة- فذكروا فيه خمسة أوجه، لأصحابنا أصحها، والأصوب منها قبولها مطلقا للأحاديث الصحيحة المطلقة.