قال الحافظ ابن حجر: وفائدة إيراد البخاري له، رفع التوهم عمن يظن أن طريق سعيد بن ميناء موقوفة، لأنه لم يصرح برفع ذلك إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فأتى بهذه الطريق لتصريحها، ثم قال الترمذي: وجاء من غير وجه عن النبي بإسناد أصحّ من هذا. قال: وفي الباب عن ابن مسعود، ثم ساقه بسنده وصححه، وقد بينت ما فيه أيضا بحمد اللَّه تعالى. ووصف الترمذي له بأنه مرسل، يريد أنه منقطع بين سعيد وجابر، وقد اعتضد هذا المنقطع بحديث ربيعة الجرشي عند الطبراني، فإنه بنحو سياقه وسنده جيد، وسعيد بن أبي هلال غير سعيد بن ميناء الّذي في السند الأول، وكل منهما مدني، لكن ابن ميناء تابعي، بخلاف ابن أبي هلال. والجمع بينهما إما بتعدد المرئي، وهو واضح، أو بأنه منام واحد، حفظ فيه بعض الرواة ما لم يحفظ غيره، وتقدم طريق الجمع بين اقتصاره على جبريل وميكائيل في حديث، وذكره الملائكة بصيغة الجمع في الجانبين الدال على الكثرة في آخر، وظاهر رواية سعيد بن أبي هلال أن الرؤيا كانت في بيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لقوله: «خرج علينا فقال: إني رأيت في المنام» . وفي حديث ابن مسعود أن ذلك كان بعد أن خرج إلى الجن فقرأ عليهم، ثم أغفى عند الصبح فجاءوا إليه حينئذ. ويجمع بأن الرؤيا كانت على ما وصف ابن مسعود، فلما رجع إلى منزله خرج على أصحابه فقصها، وما عدا ذلك فليس بينهما منافاة، إذ وصف الملائكة برجال حسان، يشير إلى أنهم تشكلوا بصورة الرجال. وقد أخرج أحمد والبزار والطبراني، من طريق علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، نحو أول حديث سعيد بن أبي هلال، لكن لم يسمّ الملكين، وساق المثل على غير سياق من تقدم، قال: «إن مثل هذا ومثل أمته كمثل قوم سفر، انتهوا إلى رأس مفازة، فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة، ولا ما يرجعون به، فبينما هم كذلك، إذ أتاهم رجل فقال: أرأيتم إن وردت بكم رياضا معشبة، وحياضا رواء، أتتبعوني؟ قالوا: نعم، فانطلق بهم فأوردهم، فأكلوا، وشربوا، وسمنوا، فقال لهم: إن بين أيديكم رياضا هي أعشب من هذه، وحياضا أروى من هذه فاتبعوني، فقالت طائفة: صدق، واللَّه لنتبعه، وقالت طائفة: قد رضينا بهذا نقيم عليه» . وهذا إن كان محفوظا قوى الحمل على التعدد، إما للمنام وإما لضرب المثل، ولكن عليّ بن زيد ضعيف من قبل حفظه. قال ابن العربيّ في حديث ابن مسعود: إن المقصود «المأدبة» ، وهو ما يؤكل ويشرب، ففيه رد على الصوفية الذين يقولون: لا مطلوب في الجنة إلا الوصال، والحق أن لا وصال لنا إلا بانقضاء الشهوات الجسمانية والنفسانية والمحسوسة والمعقولة، وجماع ذلك كله في الجنة. (أ. هـ) . وليس ما ادّعاه من المرد بواضح، قال: وفيه أن من أجاب الدعوة أكرم، ومن لم يجبها أهين، وهو بخلاف قولهم: من دعوناه فلم يجبنا فله الفضل علينا، فإن أجابنا فلنا الفضل عليه، فإنه مقبول في النظر، وأما حكم العبد مع المولى، فهو كما تضمنه هذا الحديث. (المرجع السابق) : ٣١٧- ٣٢٠.