للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: أن القول أقوى من الفعل، والأقوى راجح، إنما قلنا أنه موافى لأن دلالة القول تستغني على الفعل، ودلالة الفعل لا تستغني عن القول، والمستغني أقوى من المحتاج.

والثاني: أنا نقطع بأن القول قد يتناولها، وأما الفعل فبتقدير أن [يتراخى] [ (١) ] كان متناولا لنا معلوم، وبتقدير أن يتناولنا [أو] [ (٢) ] لا يتناولنا، وكون [الفعل] [ (٢) ] متناولا لنا معلوم، وكون الفعل متناولا لنا مشكول، والمعلوم مقدم لنا [على] [ (٢) ] المشكول.

فرع: نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عن استقبال القبلة واستدبارها في قضاء الحاجة، ثم جلس في البيت لقضاء الحاجة مستقبل بيت المقدس، فعند الشافعيّ- رحمه اللَّه- أن نهيه مخصوص بفعله حتى يجوز استقبال القبلة واستدبارها في البيوت لكل أحد، وعند الكرخي: يجب إجراء النهي على إطلاقه في الصحراء والبنيان، وكان ذلك من خواص النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وتوقف القاضي عبد الجبار في المسألة.

وحجة الشافعيّ: أن النهي عام ومجموع الدليل الّذي يوجب علينا أن نفعل مثل فعل الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم مع كونه مستقبل القبلة في البنيان عند قضاء الحاجة أخص من ذلك النهي، والخاص مقدم على العام، فوجب القول بالتخصيص، أما إذا كان الفعل للفعل فعلا آخر، فذاك على وجهين.

الأول: أن يفعل الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم فعلا فيعلم بالدليل أن غيره مكلف به ثم نراه بعد ذلك قد أقر الناس على فعل ضده، فنعلم أنه خارج منه.

الثاني: إذا علمنا أن ذلك الفعل مما يلزم أمثاله للرسول صلى اللَّه عليه وسلّم في مثل تلك الأوقات ما لم يرد ناسخ، ثم يفعل صلى اللَّه عليه وسلّم ضده في مثل ذل الوقت، فنعلم أنه قد نسخ عنه.

تنبيه: التخصيص والنسخ في الحقيقة إنما لحقا ما دلّ على أن ذلك الفعل لازم لغيره، فإنه لازم له في مستقبل الأوقات، وإنما يقال: أن ذلك الفعل قد لحقه


[ (١) ] في (خ) «يتراخا» .
[ (٢) ] زيادة للسياق.