وقد كانت صدًى واضحًا لتعاليم المذهب التاريخي في تصور القانون، ذلك المذهب الذي يرى أن القانون ليس وليد إرادة واعية تتدبر في صنعه؛ فهو ليس من صنع المشرع، كما أنه ليس ثمرة التفكير والاستنباط، ولكنه نتاج الأمة ومنبعث منها، ووليد البيئة الاجتماعية المتطورة، فهو ينشأ في ضمير الجماعة، ويتطور تطورًا ذاتيًا دون أن يقيده شيء.
ونتيجة لتصور القانون على هذا الشكل، كانت وظيفة المشرع في هذه المدرسة: لا تعدو أن تكون تسجيلًا للقانون الذي تولد عن البيئة؛ فهو غير ذي دور فعّال في وضع القانون، وإرادتُه ليس لها قيمة في ذاتها، بل كل ما لها من قيمة: منحصر في تعبيرها عن حاجات المجتمع المتطورة المتجددة، التي هي مضمون تلك القواعد القانونية.
فالنصوص التشريعية بعد صدورها، تنفصل عن إرادة واضعيها، وتصبح كائنًا حيًا متطورًا، يتفاعل مع الحياة الاجتماعية التي نشأ فيها، الأمر الذي يكسب النصوص مرونة تجعلها متلائمة مع ظروف الحياة المتطورة.
وكانت ثمرة ذلك في التفسير: أن نصوص القانون، لا تفسر حسب إرادة الشارع الحقيقية أو المفترضة - كالذي رأيناه في مدرسة الشرح على المتون - وإنما تفسر وفقًا للظروف القائمة وقت التفسير.
وهكذا لا يكون من وظيفة المفسر، البحث عن إرادة الشارع الحقيقية أو المفترضة، وإنما البحث عن الإرادة المحتملة، التي يمكن أن تصدر عن المشرع، لو أنه وضع النص في تلك الظروف القائمة عند تطبيق النص. لأن النص الأول كان نتاج الظروف التي أملته ووجد فيها، وبسببها.
[الحكم على المدرسة التاريخية]
ولئن كان اتجاه هذه المدرسة في التفسير، يعطي النصوص التشريعية مرونة تجعلها قادرة على مواجهة الظروف، وتقديم الحلول في مراحل الحياة المتطورة، إلا أن هذه المرونة نفسها، قد تكون بابًا للتحكم وفرض الآراء