للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بخصوصه، سواء أظهر له مخصص أم لا، ويصير دليلًا على احتمال الاقتصار على البعض.

وإذا ثبت الاحتمال انتفى القطع واليقين، لأن القطع واليقين لا يثبتان مع الاحتمال، فلا نقول: دلالة العام قطعية وهو محتمل للتخصيص (١).

[ما استدل به الحنفية]

لقد أخذ الحنفية قطعية العام من فروع الإمام أبي حنيفة وأصحابه. قال البزدوي: (العام عندنا يوجب الحكم فيما تناوله قطعًا ويقينًا بمنزلة الخاص فيما يتناوله. والدليل على أن المذهب هو الذي حكينا أن أبا حنيفة قال: إن الخاص لا يقضي على العام، بل يجوز أن ينسخ الخاص به مثل حديث العرنيين في بول ما يؤكل لحمه نُسخ - وهو خاص - بقول النبي : "استنزهوا من البول" (٢) ومثل قوله : "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" نُسخ بقوله: "ما سقته السماء ففيه العشر" (٣). ولِما ذكر محمد فيمن أوصى بخاتمه لإنسان، ثم بالفَص منه لآخر بكلام مفصول: أن الحلقة للأول والفصُّ بينهما، وإنما استحقه الأول بالعموم، والثاني بالخصوص. وهذا قولهم جميعًا (٤).

ثم استدلوا على ما ذهبوا إليه من القطعية، بأن العموم مما وضع له اللفظ باتفاق جمهور العلماء - كما مر سابقًا - واللفظ إذا وضع لمعنًى كان ذلك


(١) انظر: "روضة الناظر" لابن قدامة (٢/ ١٦٦)، "التلويح على التوضيح" (١/ ٤٠).
(٢) حديثه العُرَنيين رواه أحمد (١٢٠٤٢) والبخاري (٢٣٣) وابن حبان (١٣٨٦) والدارقطني (٤٧٦) وغيرهم. أما حديث: "استنزهوا … " فقد أخرجه الدارقطني من حديث أبي هريرة ١/ ٢٣٢ - ٢٣٣ (٤٦٤)، والحاكم من حديث ابن عباس، وأخرجه الطبراني من حديث أنس وقال: المحفوظ: أنه مرسل.
(٣) انظر ما سبق: (١/ ٢٣٧، ٣٠٣).
(٤) "أصول البزدوي" مع "كشف الأسرار" (١/ ٣٩١ - ٣٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>