للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رأينا في المسألة]

والراجح عندنا أن الاعتماد على دلالة النص وحدها في أمر هذه الكفارة - وهي دلالة ظنية هنا - لا يدعو إلى القناعة والاطمئنان، خصوصًا وأن دلالة النص مرتبط أمرها باللغة والوضع، لا بالاستنباط والاجتهاد.

لذا لم يرتض بعض الأصوليين من الحنفية عدّ مثل هذه الأحكام في الدلالات، فقد رأينا الميهوي في "نور الأنوار" بعد أن ذكر أن الشافعي لم يوجب الكفارة إلا بالجماع؛ لأن العلة عنده الجماع وليس إفساد الصوم قال: (ولهذا قالوا: إن عدّ مثل هذه الأحكام في الدلالة لا يحسن لأن الشافعي لم يعرف هذا مع أنه من أهل اللسان، فكان ينبغي أن يعدّ في القياس، ثم قال: ومثل هذا كثير لنا وله) (١).

نذكر هذا، ونذكر معه أن المالكية والحنفية في واقع الأمر لم يعتمدوا على هذه الدلالة وحدها، وإنما كانت من جملة الأدلة أو المؤيدات.

١ - فلقد استدلّ الحنفية بما في "الصحيحين" عن أبي هريرة أنه "أمر رجلًا أفطر في رمضان أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكينًا".

وقد ردّ ابن الهمام في "فتح القدير" على القول بأن المراد في الحديث الجماع - كما جاء مفسَّرًا برواية من نحو عشرين رجلًا -: بأن وجه الاستدلال به تعليق الكفارة بالإفطار في عبارة الراوي - وهو أبو هريرة -؛ إذ أفاد أنه فهم من خصوص الأحوال التي يشاهدها في قضائه ، أو سمع ما يفيد أن إيجابها عليه باعتبار أنه إفطار، لا باعتبار خصوص الإفطار فيصح التمسك به (٢).


(١) راجع: "نور الأنوار" للميهوي (١/ ٢٥٧ - ٢٥٨).
(٢) انظر: "فتح القدير" لابن الهمام، "شرح الهداية" (٢/ ٧٠) هذا وقد أورد صاحب "فتح القدير" رواية أخرى للحديث هي من مراسيل سعيد بن المسيب. ومراسيل سعيد مقبولة حتى عند الشافعي الذي لا يدقق في قبول المرسل. أما الحنفية: فالمرسل حجة عندهم مطلقًا، فتكون هذه الرواية من مراسيل سعيد حجة بجانب رواية أبي هريرة الآنفة الذكر على التوجيه الذي رأيناه. راجع: "الهداية" و "العناية" مع "فتح القدير" (٢/ ٧٠) فما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>