للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثلاثة أوجه لا رابع لها، فعلم ذلك بضرورة الطبيعة بل ببديهة العقل: إما الوجوب - وهو قولنا - وإما الندب والتخيير في فعل أو ترك وقد أبطل الله ﷿ هذا الوجه في قوله تعالى: ﴿أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٣٦] وإما الترك - وهو المعصية فأخبر تعالى أن من فعل ذلك فقد ضل ضلالًا مبينًا، فارتفع الإشكال جملة) (١).

ثانيًا: من نصوص السنة:

١ - ومن أوضح الأدلة في نصوص السنة ما ورد في كتب الصحيح من قوله : "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" (٢).

ووجه دلالة هذا النص على أن الأمر للوجوب، أنه لو أمر الرسول بالسواك عند كل صلاة لوجب فعله، سواء أكان في ذلك مشقة أم لم يكن.

ولكنه لا يريد أن يشق على أمته فلم يأمرهم به.

وإنما فهم ذلك من أن "لولا" عند علماء العربية حرف امتناع لموجود، فهي كلمة تمنع الشيء لوقوع غيره، فيكون امتناع الأمر بالسواك في الحديث إنما حصل لوجود المشقة، واستحباب السواك عند كل صلاة ثابت، وإذن فالمنتفي للمشقة إنما هو الوجوب، وبأن الندب لا مشقة فيه فتركه جائز.

وهكذا لم يأمر الرسول الأمة باستعمال السواك عند كل صلاة، لئلا يوقع الناس في المشقة، لأن الخروج من عهدة الأمر، لا يكون إلا بالعمل بالمأمور به، والعمل بالمأمور به هنا هو الاستياك عند كل صلاة، وفي ذلك


(١) راجع عن "الأحكام" (٣/ ٢٠ - ٢٢) وانظر: إرشاد الفحول" (ص ٩٠)، "طالعة الشمس" للسالمي الإباضي (٢/ ٤٠).
(٢) رواه عن أبي هريرة أحمد (٩٥٤٤) وأصحاب الكتب الستة: البخاري (٨٧٧) ومسلم (٢٥٢) وأبو داود (٤٦) والترمذي (٢٢) وابن ماجه (٢٨٧) والنسائي (٧)، وذكره البخاري في مواضع مختلفة. وانظر: "إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد (١/ ١٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>