وهكذا نكون انتهينا من بيان طرق الدلالة عند الحنفية والمتكلمين، حيث توافقت التسميات في كثير، وتخالفت في قليل، حسب المنهج الذي رسمه لنفسه كل من الفريقين، والنظرة التي نظرها إلى اللفظ، وكيفية دلالته على المعنى المراد.
فالحنفية: جعلوا دلالة اللفظ على المعنى، متى كان ذلك مقصودًا - ولو تبعًا - دلالة بعبارة النص.
وجعلوا ما كانت الدلالة عليه بطريق الالتزام ولم يقصد أصلًا، إشارة النص. والدلالتان: العبارة والإشارة من منطوق النص.
وما دلّ عليه اللفظ بواسطة معنًى مفهوم منه: سمُّوه دلالة النص وفحوى النص، ومفهوم موافقة، ولم يجعلوه منطوقًا؛ لأن الملاحظ روح النص ومعقوله.
وجعلوا دلالة اللفظ على ما يتوقف عليه صدقُ الكلام، أو صحتُه: اقتضاءً، على خلاف بين المتقدمين والمتأخرين، فهو ليس بمنطوق، ولا مفهوم.
واعتبروا الدلالة على الحكم بأية واحدة من هذه الدلالات الأربع: دلالةً بظاهر النص، لا بالقياس والرأي.
أما المتكلمون: فقد نظروا إلى دلالة اللفظ على الحكم من زاوية أخرى؛ فقسموا الدلالة إلى منطوق ومفهوم، وانطوى عندهم ما يدل بصريح النص، ودلالة الاقتضاء، ودلالة الإشارة: تحت المنطوق. بينما جعلوا مفهوم الموافقة - الذي هو دلالة النص عند الحنفية -: من المفهوم.
وقالوا بمفهوم المخالفة: وهو دلالة لم يقل بها الحنفية. بل اعتبروها من التمسكات الفاسدة.
وهكذا يمكن أن نخلص بعد المقارنة إلى النتائج التالية:
١ - الدلالات عند الحنفية أربع، وهي عند المتكلمين خمس. وهؤلاء