أ - فمن غير المسلَّم به أن حكم النسب جزء داخل في المعنى الموضوع له. وقد ادّعى ذلك صاحب "التنقيح"، وردَّ صاحب "المرآة" هذه الدعوى - التي سمّاها زعمًا - بأن النسب لازم للمعنى الموضوع له - يعني الولادة للاب - فيدل عليه النظم بإشارته بالالتزام، فيكون لازمًا ذاتيًا بالمعنى المذكور، لا جزءًا داخلًا في المعنى الموضوع له (١).
- ثم إن مرد الأمر بعد ذلك إلى ماهية إشارة النص. فالإشارة عند الأصوليين، تقوم على أن الكلام لم يسق للحكم أصلًا ولا تبعًا، وهم لم يدّعوا أن الإشارة مرتبطة بانفصال المعنى عن الكلمة. ولذلك يعتبرون أن الثابت بالعبارة والثابت بالإشارة: كلاهما ثابت بالنص، وإنما يظهر التفاوت بينهما - كما نقلنا عن السرخسي وغيره - عند المقابلة؛ لأن الحكم الذي دلّت عليه العبارة سيق لأجله الكلام؛ والحكم الذي دلّت عليه الإشارة لم يُسق لأجله الكلام.
والنص القرآني الذي يدور حوله البحث، لم يُسق - أصالة ولا تبعًا - من أجل بيان اختصاص نسب الولد بأبيه دون أمه، وإنما هي إشارة باللازم - قد تكون بعيدة بعض الشيء - فهمها العلماء من ذكر المولود له، والإضافة بلام الاختصاص.
وعليه: فإن الأصوليين منسجمون مع تعريفهم لإشارة النص، ولا غبار على المثال؛ إذ السياق لهذا الحكم غير موجود أصالة ولا تبعًا، وإنما أُخذ الحكم إشارة باللازم الذاتي للمعنى.
[أحكام أخرى]
هذا: وهناك أحكام أخرى ترتبت على حكم اختصاص النسب وكانت لازمة له، واعتبرت الدلالة عليها دلالة إشارة أيضًا. ومنها:
١ - أن الولد يكون قرشيًا إذا كان أبوه من قريش، ولو كانت أمه غير
(١) راجع: "المرآة" مع "المرقاة" (٢/ ٧٥)، "التنقيح" مع "التوضيح والتلويح" (١/ ١٣٠) وانظر: "أصول الفقه" للأستاذ البرديسي (ص ٣٦٧).