والآن .. وبعد أن عرضنا - فيما سلف - للحديث من البيان وأنواعه، وعن ماهية تفسير النصوص، وعلاقة ذلك ببيان التفسير، وأوضحنا كيف أنه نوع من الاجتهاد المطلوب المرغّب فيه، وعرّجنا بنظرة عامة على التفسير ومدارسه في القانون، وأشرنا إلى بعض خصائص التفسير في الشريعة وكشفنا عن قواعده في حالات وضوح الألفاظ وإبهامها، وحالات دلالة هذه الألفاظ على الأحكام، ثم حالات شمول الألفاظ أو عدم شمولها في وضعها لمعانيها، وتبينّا في كل ذلك موقف العلماء من التأويل، وما أحاطوه به من حدود وقيود تسلك به سبله المأمونة، وتحافظ على الأسس التي بنوه عليها مما لا يخرج عن حدود العربية ومعالم الشريعة. ورأينا كيف حرّر علماؤنا تلك القواعد في إطار من الضبط العلمي والدقة المنطقية، نتيجة استقراء لأساليب العربية ومقاصد الشريعة وقواعدها، ووقفنا على ما كان لهذه القواعد من آثار واضحة في فهم كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله عليه، وهما عماد الملة وينبوع الشريعة نود أن نقرر الأمور التالية:
أولًا: إن من الأهمية بمكان: العناية بالعربية في هذا المضمار، لما لها من صلة بشريعة الإسلام؛ فيها نزل الكتاب، وبها كان بيان الكتاب من الرسول الموحي إليه بهذا البيان (١).
(١) وقد دعا إلى ذلك الصحابة والتابعون وأوسع علماؤنا الأولون القول فيه والدعوة إليه؛ حتى كانت العربية في مدلولاتها وأساليب الخطاب فيها: هي الركن الركين القواعد التفسير في الشريعة. ولقد رأينا الإمام الشافعي بعد أن يتحدث عن عربية القرآن يقول: (وإنما بدأت بما وصفت من أن القرآن نزل بلسان العرب دون =