للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجمهور لا يغفلون أثر النهي في الشريعة، ولكن إذا تبين أن النهي لم يكن لذات العمل الشرعي المنهي عنه أو لوصفه - على خلاف فيه - فمعنى ذلك أن المكلف إذا أتى بهذا العمل، فقد حصلت حقيقة المأمور به؛ فالصلاة من حيث هي صلاة، تقع على حقيقتها في الأرض المغصوبة، ويبقى النهي منصبًا على الجناية على الغير بغصب أرضه، فهو أمر مجاور لا يؤثر في صحة الحكم، فالصلاة صحيحة، وإثم الغصب ثابت على المغتصب.

الحالة الثالثة: أن يكون النهي لوصفه لازم للمنهي عنه: كالنهي عن صوم يوم العيد، والنهي عن البيع المشتمل على الربا، والمبيع بشرط يخالف مقتضى العقد كما سيأتي (١).

وقد اختلفت أنظار العلماء في هذه المسألة:

[مسلك الجمهور]

فذهب الجمهور إلى أن النهي عن العمل لوصف لازم له، يقتضي فساد كل من أصل العمل ووصفه، ويطلقون عليه اسم "الفاسد" و"الباطل" وبذلك يكون نظيرَ النهي عن العمل لذاته فهو مثله غير مشروع، ولا يترتب عليه أي أثر من آثاره المقصودة منه. وهكذا يقررون أن النهي عن العمل لذاته، والنهيَ عنه لوصفه اللازم له سيان في اقتضاء نساد المنهي عنه وبطلانه، واعتباره غير مشروع لا بأصله، ولا بوصفه.

[مسلك الحنفية]

وذهب الحنفية إلى أن النهي في هذه الحال: يقتضي فساد الوصف فقط. أما أصل العمل: فهو باق على مشروعيته ويطلقون عليه اسم "الفاسد" ويرتبون عليه بعض الآثار دون بعض.


(١) انظر: "أصول السرخسي" (١/ ٨٠) فما بعدها، "المهذب" للشيرازي (١/ ٢٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>