للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حالة أخرى من الاختلاف]

ولقد كان من أسباب الاختلاف فيما نحن فيه من اقتضاء النهي الفساد أو غيره في المنهي عنه: تفاوت الأنظار في تقدير ما كان النهي لأجله، أهو وصف ملازم للمنهي عنه، أم وصف خارج عنه؟ وباختلاف التقديرين: كان يختلف الحكم.

١ - من ذلك - في العبادات - ما جرى من الاختلاف في حكم صلاة النفل في الأوقات المكروهة التي وردت في السنة؛ كما في حديث عقبة بن عامر : "ثلاث ساعات كان رسول الله ينهانا أن نصلي فيهن، أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف للغروب" (١).

فمن هذا الحديث وغيره من الأخبار الصحيحة الدالة على كراهة الصلاة في هذه الأوقات: ذهب الشافعية إلى أن التنفل في الأوقات المذكورة باطل، فإذا أراد المكلف أن يتنفل فيها لم تنعقد صلاته، وهم يذهبون إلى ذلك - مع الخلاف بينهم - في أن الكراهة تحريمية أو تنزيهية - لأن النهي إذا تناول المنهي عنه لذاته أو لوصف لازم له: اقتضى الفساد عندهم، سواء أكان التحريم أم كان للتنزيه (٢).

ومن هنا يبدو الفرق بين هذا الحكم وبين ما ذكرناه عن الصلاة في الأرض المغصوبة، عند الحديث عن النهي لأمر خارج عن المنهي عنه.

فقد رأوا أن الصلاة تنعقد في الأرض المغصوبة، وتعتبر صحيحة، أما هنا: فلا تنعقد في أي وقت من الأوقات المنهي عن الصلاة فيها.


(١) رواه مسلم (٨٣١)، وأبو داود (٣١٩٢)، والترمذي (١٠٣٠)، وابن ماجه (١٥١٩)، والنسائي (٥٦٠)، وانظر: "صحيح مسلم بشرح النووي" هناك (٦/ ١١٠) فما بعدها، "نيل الأوطار على منتقى الأخبار" (٣/ ٩٣ - ٩٨).
(٢) راجع: "المهذب" للشيرازي (١/ ٩٢)، "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" للعز بن عبد السلام (٢/ ٢٢ - ٢٤)، "شرح النووي لصحيح مسلم" (٦/ ١١٠) فما بعدها، "أسباب اختلاف الفقهاء" لأستاذنا الخفيف (ص ١٢٩ - ١٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>