للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأمر الداعي إلى التفريق]

أما الداعي إلى التفريق: فهو أن القول بعموم المقتضى - كما سيأتي - غير مقبول عند عامة الحنفية وفيهم الدبوسي، وعندما وُجِدَ أن بعض الأمثلة (١) لا يمكن الإغماض عن العموم فيها، قال المتأخرون: هذا من المحذوف، والمحذوف غير المقتضى. من ذلك ما إذا قال لامرأته: طلِّقي نفسك؛ فإن "طلاقًا" الذي هو المصدر، غير مذكور، ونية الثلاث والعموم فيه صحيحة، فعزوا ثبوت العموم إلى كون المصدر ثابتًا لغة لا شرعًا؛ فما ثبت لغة هو المحذوف، وما ثبت شرعًا هو المقتضى. بل عندما وُجِدَ أن القول بالعموم في حديث: (وضع الخطأ والنسيان): يتنافى مع ما عند أئمة المذهب من أقوال في شأن الإكراه والنسيان وما يترتب عليهما من أحكام في العبادات والمعاملات قالوا: إن سقوط عمومه ليس من قبيل الاقتضاء ولكنه من قبيل الاشتراك، والمشترك لا يقبل العموم، وقالوا مثل ذلك في حديث: "الأعمال بالنية" (٢).

والذي يلاحظ أنهم قالوا في هذين الحديثين المذكورين: إنهما من قبيل المحذوف الذي له عموم، ثم لم يجدوا بدًّا من القول بأن عدم العموم جاء من الاشتراك.

على أن الشيخ عبد العزيز البخاري، قد كشف بجلاء عن أن المقدَّر في الحديثين ليس من باب الحذف الذي بيّنه المتأخرون، لأن الكلام بدونه مفيد للمعنى لغة، ولهذا لو صدر مثله عن غير الرسول ، لما قدر فيه شيء، بل يحمل على حقيقته إن أمكن، وإلا فعلى الكذب.

وإنما قدر فيهما ما ذكرناه ضرورة صدق الرسول ، فكيف يكون هذا من باب اللغة، بل هو من باب الاقتضاء مع ذلك التغير.


(١) راجع ذلك مفصلًا في: "أصول البزدوي" (١/ ٧٥ - ٧٧) (٢/ ٥٥٨ - ٥٧٠)، "أصول السرخسي" (١/ ٢٥٠ - ٢٥٤).
(٢) راجع: "كشف الأسرار على أصول البزدوي" (٢/ ٥٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>