للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما درى هؤلاء أنهم قد يخدمون بذلك - راضين أو كارهين - مَن لا يريدون لهذه الأمة الخير ويترقبون بشريعتها كل سوء، وودُّوا لو أن كل ما يربطها بكتاب الله وسنّة نبيه مزّق كلّ ممزق، وشرِّد أيما تشريد.

* * *

[المطلب الثاني موقف الظاهرية من التأويل]

من المعروف أن عماد المذهب الظاهري - الذي بدأه داود بن علي، وأيقظه ابن حزم فيما بعد - الأخذ بظواهر النصوص من الكتاب والسنة؛ فإن لم يكن: فالإجماع، وهم لا يرتضون إلا إجماع الصحابة باعتباره مستندًا إلى دليل عن الرسول، دون الالتفات إلى تأويل أو تعليل (١) بل إن القياس مرفوض رفضًا باتًا. فالنصوص كلها في حكم النص المفسَّر الذي لا يحتاج إلى تأويل أو تعليل.

وقد وضح هذا الاتجاه منذ تحوَّلَ داود الظاهري المتوفى سنة ٢٧٠ هـ عن تبعيته للشافعي واتخذ لنفسه طريقًا جديدة، قوامها ما ذكرنا من الأخذ بالظاهر، وعدم التحول عنه إلا بدليل - من الكتاب والسنّة أو الإجماع - يدل على أنه يراد به غير الظاهر.

ومما يؤثر عن داود قوله: (إن في عمومات الكتاب والسنّة ما يفي بكل جواب)، وازداد الاتجاه وضوحًا حين جاء ابن حزم من رجال المائة الخامسة للهجرة، ليبتعث المذهب الظاهري بعد ركود طويل.

ولم يكتفِ ابن حزم بالتأصيل أو التفريع - على لغته وأسلوبه وطريقته - بل ربما كانت له أمور في هذه الظاهرية، زادت على ما جاء به داود، وأصبح إمامًا ظاهريًا مجتهدًا، لا من أتباع ومقلِّدي داود الظاهري.


(١) راجع: "الإحكام في أصول الأحكام" (٣/ ٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>