للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: أن الأوْلى أن يَصْرف الشخص صدقته إلى مسكين واحد؛ فذلك أجدر أن يُحقق الإغناء المطلوب في ذلك اليوم. قال شمس الأئمة: (وإذا فرقها على المساكين كان هذا في الإغناء دون الأول، وما كان أكمل فيما هو المنصوص عليه فهو أفضل) (١).

[الإشارة بين الظهور والخفاء]

بعد الذي رأينا من مجموعة الأحكام التي أُخذت من نصوص الكتاب والسنّة بطريق دلالة الإشارة، نلاحظ أن الإشارات تتفاوت ظهورًا وخفاءً.

أ - فمنها ما يمكن إدراكه بأدنى تأمُّل.

ب - ومنها ما يحتاج إلى الأكثر والأوفر منه؛ ذلك لأنها معانٍ التزاميةٌ للنصوص المترتبة على مدلولاتها، ولا بد لإدراك هذه الإشارات من مزيد من التمرُّس بألفاظ الشريعة ومدلولات اللغة، وإن شئت قلت: لا بد من الملكة التي تضيء السبيل في هذا المضمار.

ولذلك تفاوتت العقول والأفهام في إدراكها. واختلف العلماء في ذلك لاختلافهم في التأمُّل، ومن هنا قبل - كما جاء في "أصول السرخسي" - (الإشارة من العبارة بمنزلة "الكناية والتعريض" من "التصريح"، أو بمنزلة "المشكل" من "الواضح") (٢).

ولقد مرّت بنا عن الصدر الأول حوادث تدل على هذا التفاوت حيث يفطن البعض إلى الحكم، ولا يفطن له آخرون؛ كالذي رأينا حول قوله تعالى: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: ١٥] مع قوله جلّ وعلا: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ [لقمان: ١٤] فما فطن له علي أو ابن عباس أو كلاهما


(١) راجع: "أصول السرخسي" (١/ ٢٤٠ - ٢٤١) وقد قال السرخسي بعد ذكر تلك الأحكام: (فهذه أحكام عرفناها بإشارة النص وهو معنى جوامع الكلم الذي قال رسول الله : "أوتيت جوامع الكلم واختصر لي اختصارًا").
(٢) انظر: (١/ ٢٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>