نعرض فيما يلي لإيضاح جوانب مهمة من موقف العلماء من هذه الطريق من طرق الدلالة، وهو مفهوم الموافقة، فندرس ما شرط العلماء لهذا المفهوم، ونوع دلالته على الحكم من ناحية القطعية والظنية، وهل هذه الدلالة من قبيل الدلالة اللفظية أو من قبيل القياس الجلي، كما نأتي على ثمرة الاختلاف، ثم ندرس موقف ابن حزم من هذا المفهوم مع المقارنة، وسنرى ذلك كله في المطلبين التاليين.
* * *
[المطلب الأول شرط مفهوم الموافقة، ونوع دلالته على الحكم]
أولًا - شرط مفهوم الموافقة:
كان فيما رأينا عند الحنفية والمتكلمين، اتفاق كلمة القائلين بمفهوم الموافقة أو "دلالة النص" كما يسمِّيه الحنفية، على أن هذه الطريق من طرق الدلالة، قائمة على اشتراك المنطوق والمسكوت عنه في معنًى، لا يحتاج إدراكه إلى اجتهاد واستنباط. وإنما يدرك بمجرد المعرفة باللغة والوضع. ففي قوله تعالى: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾ [الإسراء: ٢٣] يدرك كل عارف باللغة: أن المقصود بالنهي الذي لأجله كان التحريم: هو الأذى، وأن