للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمراد بلفظ الناس الأولِ: نُعَيْمُ بن مسعود (١) أو أعرابي آخر، كما أن المراد بلفظ ﴿النَّاسِ﴾ الثاني: أهلُ مكة؛ فاللفظ عام، والمراد واحد (٢).

[الجواب عن الاشتراك]

وقد أجاب السعد التفتازاني صاحب "التلويح" على هذا الدليل بأن المجاز راجح على الاشتراك، فيحمل عليه للقطع بأنه حقيقة في الكثير. ثم أكد ذلك بإجماع أئمة اللغة فقال: (على أن كون الجمع مجازًا في الواحد مما أجمع عليه أئمة اللغة) (٣).

ومعلوم أن المراد بالجمع هنا عند أئمة اللغة: (ما يعم صيغة الجمع كالرجال واسم الجمع كالناس).

وبهذا يكون الاستدلال بذكر ﴿النَّاسِ﴾ في الآية حين قُصد نُعيم بن مسعود أو أعرابي آخر، عديم الجدوى، ما دام اسم الجمع - كالناس - مما أجمع أئمة اللغة على أنه يستعمل في الواحد. ويبدو أن الواقفية لم يكونوا على استقرار


(١) هو نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي، صحابي من ذوي العقل الراجح، هاجر إلى رسول الله سرًا أيام الخندق فأسلم وكتم إسلامه وعاد إلى الأحزاب فخذل المشركين وبني قريظة فتفرقوا … قال ابن عبد البر: وقيل: إنه الذي نزلت فيه: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣)﴾ [آل عمران: ١٧٣] يعني نعيم بن مسعود وحده، سكن المدينة وتوفي في خلافة عثمان نحو سنة ٣٠ هـ. وقيل: قتل يوم "الجمل" قبل قدوم علي إلى البصرة.
(٢) ذهب إلى أن المراد بلفظ "الناس" الأول: هو نعيم بن مسعود: مجاهد ومقاتل وعكرمة والكلبي، فاللفظ عام ومعناه خاص، وقال السدي: هو أعرابي جُعِلَ له جُعْلٌ على ذلك، وذكر القرطبي عن السدي أنه لما تجهز النبي وأصحابه للمسير إلى بدر الصغرى لميعاد أبي سفيان أتاهم المناقفون وقالوا: أصحابكم الذين نهيناكم عن الخروج إليهم وعصيتمونا، وقد قاتلوكم في دياركم وظفروا؛ فإن أتيتموهم في ديارهم فلا يرجع منكم أحد. فقالوا: "حسبنا الله ونعم الوكيل". "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٤/ ٢٧٩ - ٢٨٠).
وانظر: "تفسير الطبري" (٨/ ٤٠٥)، ابن كثير (١/ ٤٢٩).
(٣) راجع: "التشريح" (١/ ٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>