وبهذا يتضح صواب ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن قدامة ﵀ حين لم يخرج عما أراده القوم، واصطلحوا عليه، وأحاطوه بسياج من الأدلة والبراهين، فهو لم يعتبر الشرط قرينة من القرائن، ولذا أدرج مذهب التعليق تحت الأمر المطلق؛ لأن المراد بالأمر المطلق: العريُّ عن قرينة المرة أو التكرار، لا العريُّ حتى عن التعليق بشرط أو صفة، كما أراد الشيخ بدران، وحكم عليه بأنه أدخل تحت فرض المسألة قولًا ليس من الأقوال التي يصح دخوله تحتها.
وقد عرّف الشيخ بدران المطلق كما يريد، فجعله العري عن قرينة المرة، والتكرار، والشرط، والصفة (١) وأراد أن يحاسب المصنف على نتيجة هذا التعريف، بينما كان المصنف متسق الخطا، ومنسجمًا كل الانسجام مع طريقة من قبله، حين أتى بمذهب التعليق تحت الأمر المطلق وهو - كما يرى - العريُ عن قرينة الأمر والتكرار.
* * *
[المطلب السادس دلالة الأمر على المجال الزمني لفعل المأمور به]
كما عني العلماء ببحث دلالة الأمر على الوجوب أو غيره، وبحث دلالته على الوحدة أبو الكثرة، عنوا أيضًا بتحديد المجال الزمني الذي يخرج فيه المكلف من عهدة الامتثال في الإتيان بما أمر به.
واقتضاهم ذلك أن يبحثوا في دلالة الأمر من هذه الناحية. وهل هي الأداء على الفور، ومعنى ذلك أن على المكلف المبادرة بالامتثال دون تأخير.
أم هي على التراخي، وعندها يكون في وسعه أن لا يبادر على الفور؟
أما القائلون بأن الأمر المطلق يقتضي التكرار؛ فهم قائلون بأنه يقتضي الفور ضرورة؛ لأن القول بالتكرار يلزم منه استغراق الأوقات بالفعل المأمور به مرة بعد أخري، وعليه فلا بد من المبادرة.
(١) انظر: "نزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر" (١/ ٧٨) فما بعدها.