للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (٥٣)[الأحزاب]، فالانتشار في هذه الآية هو الخروج عن بيوت النبي ، وهو فرض. فلا يحل لهم القعود بعد أن يطعموا ما دعوا إلى طعامه. وكجوابه لفاطمة بنت حبيش حين جاءته فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ حيث قال: "لا إنما ذلك دم عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي" (١) ولا شك أن أمر الرسول صلوات الله عليه لفاطمة بعد انتهاء الحيضة للوجوب، وهو وارد بعد الحظر والتحريم الذي ثبت في الحديث نفسه.

[جوابهم عن النصوص التي كان الأمر فيها بعد الحظر للإباحة]

وقد أجاب هؤلاء عن بعض النصوص التي كان الأمر فيها بعد الحظر للإباحة - ومنها ما أوردناه آنفًا: أن المثال الجزئي لا يصح قاعدة كلية.

كما أن الإباحة في هذه النصوص، إنما فهمت بقرائن أخرى غير التحريم الذي سبقها، حتى لو لم يسبق هذا التحريم، لفُهمت الإباحة أيضًا من تلك القرائن. فالاصطياد بعد التحلل من الإحرام وغيرُه من الأحكام التي تثبت بتلك النصوص، إنما هي أحكام شرعت حقًّا للعبد، فلو وجبت لصارت حقًّا عليه لله تعالى، فيعود الأمر على موضوعه بالنقض قال عبد العزيز البخاري في بيان ذلك: (ولهذا لم يحمل الأمر بالكتابة عند المداينة، ولا الأمر بالإشهاد عند المبايعة على الإيجاب، وإن لم يتقدمه حظر لئلا يصير حقًّا علينا بعدما شرع حقًّا لنا) (٢).


(١) أخرجه عن عائشة بألفاظ مختلفة: البخاري (٢٢٨)، ومسلم (٢٣٣)، والنسائي (٢١٢)، وأبو داود (٢٨٢)، والترمذي (١٢٥)، وابن ماجه (٦٢١).
(٢) راجع: "كشف الأسرار على البزدري" (١/ ١٢١)، "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (١/ ٣٠٧) "أُصول الفقه" لزكي الدين شعبان (ص ٨٦ - ٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>