ونحن مع قولنا بثبوت الحكم في الطرار بالعبارة، نرى أن كلام فخر الإسلام محتمل لما ذهب إليه صاحب "الكشف"؛ لما أن التعبير بتعدية الحكم في الحدود، والكفارات، يتردد عند الحنفية بين عدم إثباته بالقياس، وبين إثباته بدلالة النص، كما سيأتي في مباحث الدلالة إن شاء الله.
[حكم النباش]
أما النباش: فقد اختُلف في أمره؛ حيث كان لأبي حنيفة ومحمد بن الحسن رحمهما الله مذهب يخالف مذهب الجمهور الذي سنؤخر الحديث عنه بُغيةَ اليسر في بيان الرأي والترجيح.
[مذهب أبي حنيفة ومحمد]
ذهب أبو حنيفة ومحمد، إلى أن انفراد النباش بهذا الاسم الخاص، إنما كان لنقص معنى السرقة فيه؛ فالمال الذي يأخذه - وهو الكفن - غير مرغوب فيه، بل هو مما تنفر منه النفوس، ولا تميل إليه، والمأخوذ ليس مملوكًا لأحد؛ فإذا كان عدم ملكيته من الميت ظاهرًا؛ فالورثة لا يملكون إلا ما زاد عن حاجة هذا الميت، ضمن الحدود التي رسمها الشارع. وفي الوقت نفسه لا يكون النباش سارقًا من حرز المثل؛ لأن القبر لم يعهد مكانًا لحفظ الأموال، وإنما أعدّ لدفن الموتى.
كما أن السرقة في هذه الحال لا تكون خُفية، لأن السرقة إنما تكون بحيث تُتقى الأعين، ويُتحفَّظ من الناس.
وهكذا لا تتوافر في النباش شروط السارق. وإذا كان الأمر كذلك: لم يتناوله لفظ (السارق) في الآية، فلم يعد فردًا من الأفراد التي ينطبق عليها حكمه.
وعلى هذا ذهب الطرفان أبو حنيفة ومحمد، إلى الحكم على النباش بالتعزير بما يردعه عن هذا العمل المشين، لا بإقامة حد القطع الذي هو عقوبة السارق العادي.