للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القائلون بالحمل قياسًا وموقف الحنفية منهم:

أما الذين يقولون بالحمل عن طريق القياس - وهم من محققي الشافعية - كالشيرازي، والرازي، والبيضاوي من المتأخرين وبعض المالكية، وأبي الخطاب من الحنابلة فهم - كما قدمنا - لا يوجبون القياس كلما وجد مطلق ومقيد، وإنما يرون حمل المطلق على المقيد فيما نحن فيه، من طريق القياس، إذا توفرت علة جامعة بين المطلق والمقيد (١).

وذلك ما جزم به البيضاوي في "المنهاج"، حين قرر أنه إن حصل قياس صحيح مقتضٍ لتقييد المطلق: قُيّدَ، كاشتراك الظهار والقتل الخطأ في خلاص الرقبة المؤمنة عن قيد الرق، لتشوف الشارع إليه، وإن لم يحصل ذلك: فلا (١).

ومثله ما جاء في "جمع الجوامع" من تعليل الحمل باشتراك الكفارتين في القتل الخطأ والظهار: بحرمة سببهما (٢) فلا تكون الكفارة إلا بتحقيق الغاية العلوية، وهي خلاص الرقبة المؤمنة، لما ثبت من تشوف الشارع إليه، وطالبه بتأكيد، فلولا هذا الاشتراك: لم يقولوا بالحمل.

وهكذا يرى القائلون بالحمل عن طريق القياس، أن ذلك قد توافر في نصي هاتين الكفارتين، فلا يكون الخروج من العهدة: إلا بتحرير الرقبة المؤمنة التي حرص الشارع كل الحرص على تحريرها، فهو مع حرصه على تحرير الرقاب الأخرى، يرى أن المؤمنة أولى وأحرى.

هذا: ومن ثمرات الاختلاف بين القول بحمل المطلق على المقيد لفظًا، وبين القول بالحمل قياسًا، ما ذكره الرازي في "المحصول" حيث قال: (إذا أطلق الحكم في موضع وقيد مثله في موضعين بقيدين متضادين كيف يكون حكمه؟ مثاله: قضاء رمضان الوارد مطلقًا في قوله سبحانه: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ


(١) راجع: "المنهاج للبيضاوي" و "شرحه" للإسنوي (٢/ ١٧٠ - ١٧١) مع البدخشي. وانظر: "اللمع" للشيرازي (ص ٢٥).
(٢) راجع: "جمع الجوامع" لابن السبكي مع "شرحه للمحلي" (٢/ ٤٨ - ٤٩)، و"حاشية البناني مع تعليقات الشربيني".

<<  <  ج: ص:  >  >>