نود بعد ذلك كله أن تذكر أن ابن الحاجب وشارحه العضد قد قررا: أنه (إن صحّ المانع من الحمل على الظاهر في الحديث - وهو صوم الفرض مطلقًا بما أوَّله الحنفية - دليلًا على صحة الصيام بنية من النهار في الواجب المعين، فينبغي أن يطلب له أقرب تأويل؛ مثل أن يحمل النفي في قوله ﵊:"لا صيام" على نفي الفضيلة) ولعل ذلك كان من ابن الحاجب والعضد متابعة لإمام الحرمين الذي ذكر في "البرهان" أن من تأويلاتهم - يعني الحنفية - حمل النفي على الكمال، ورغم رده على هذا التأويل، اعتبره بالنظر إلى مسالك التأويلات، أقرب قليلًا من التأويل السابق (١).
[مع أبي جعفر الطحاوي]
وبعد: فلا نستطيع أن نترك الكلام في هذه المسألة قبل بيان رأي أبي جعفر الطحاوي؛ فلقد أبعد النجعة ﵀، إذ كان من تأويله للحديث: أنه فرَّق بين صوم الفرض إذا كان في يوم بعينه كعاشوراء، فتجزئ النية في النهار، أو لا في يوم بعينه كرمضان، فلا يجزئ إلا بنية من الليل، وبين صوم التطوع فيجزئ في الليل والنهار.
ولقد رأى في ذلك جمعًا بين الأدلة وبُعدًا عن تضادِّها. قال في "شرح معاني الآثار" بعد أن أورد الآثار في الموضوع مبيِّنًا أن حكم النية التي يُدْخَلُ بها في الصوم على ثلاثة أوجه:
(فما كان منه فرضًا في يوم بعينه كانت تلك النية مجزية قبل دخول ذلك اليوم في الليل، وفي ذلك اليوم أيضًا:
وما كان منه فرضًا لا في يوم بعينه، كانت النية التي يُدْخَلُ بها فيه في الليلة التي قبله، ولم تجز بعد دخول اليوم.