للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للقدر المشترك بين الوجوب والندب والإباحة، ذلك أن هؤلاء أيضًا احتجوا بأن الإذن ثبت بضرورة اللغة، وأن التقييد بواحد من المعاني الثلاثة - وهو الوجوب - لا دليل عليه.

[مسلك القائلين بالوقف]

وإذا أتينا إلى القائلين بالوقف، رأيناهم يستدلون على ما ذهبوا إليه من التوقف: بأنه لو ثبتت دلالة الأمر على الوجوب أو غيره: لثبتت بدليل، وليس هناك من دليل؛ ذلك أن الدليل إما أن يكون عن طريق العقل أو عن طريق النقل.

أما العقل: فلا مدخل له في مثل هذه الأمور.

وأما النقل: فإما نقل آحادٍ: فلا يفيد العلم، وإما نقل بالتواتر الذي يوجب استواء طبقات الباحثين فيه، فلو وقع هذا التواتر في النقل، لامتنع الاختلاف في مدلول الأمر حقيقة، ولكن الاختلاف واقع، ومعنى ذلك أن النقل لم يحصل بالتواتر. فإذا كان العرب قد أطلقوا الصيغة للندب مرة، وللوجوب أخرى مثلًا، ولم يوقفونا على أنها موضوعة لواحد دون الآخر: وجب التوقف (١).


(١) راجع "المستصفى" (١/ ٤٢٧) "الإحكام" للآمدي (٣/ ٢١٠)، "مختصر المنتهى" مع "شرح العضد" و "حاشيته للسعد" (٢/ ٨١)، "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (١/ ٣٠٦) هذا وقد فصل الغزالي هذا الدليل الذي اعتبره قاطعًا حين قرر أن أهل اللغة لم يبينوا أن صيغة "افعل" أو ما في معناها موضوعة لواحد من الوجوب، والندب والإباحة والتهديد، إذ إن ذلك يجب أن يعلم بطريق النقل حيث إنه لا دخل للعقل في اللغات.
وطريق النقل للغات لا يقبل الغزالي فيه أخبار الآحاد. أما التواتر فلا يعدو أربعة أوجه:
أ - فإما أن ينقل من أهل اللغة عند وضعهم أنهم صرحوا بأنهم وضعوه كذا وأقروا به بعد الوضع.
ب - وإما أن ينقل عن الشارع الأخبار من أهل اللغة بذلك أو تصديق من ادعى ذلك. =

<<  <  ج: ص:  >  >>