موطنه نصوص الأحكام. ويبقى ذاك المتشابه في دائرة العقيدة وأصول الدين. وهكذا يكون لدينا خفي، ومشكل، ومجمل يمكن أن نصطلح على تسميته أيضًا بالمتشابه، - كما عليه الأكثرون من المتكلمين - مفيدين من المعنى اللغوي، ومما كان عليه فريق من أعلام الحنفية؛ كالكرخي والجصاص.
وإنا إذ نميل إلى تقسيم الحنفية - كما هو في تدرجه مع مراتب الخفاء باستثناء ذاك المتشابه - فإنما كان ذلك؛ لأنا نرى فيه عونًا على ضبط المبهم من الألفاظ، الأمر الذي يساعد على قدر أكبر من الفهم، والدقة في استنباط الحكم من النص بعد الاستعانة على تفسيره بما يمكن أن يفسره ويزيل غموضه وإبهامه، حسب المرتبة التي هو فيها من الإبهام.
وأغلب الظن أن التقسيم عند الحنفية كان ثمرة معاناة الطرائق الاستنباط، ومحاولة ربط الفروع بالأصول. فإذا نحن أمام طريقة تأخذ بنا بسهولة ويسر، إلى حيث نعلم مواطن الإبهام ودرجة ذلك الإبهام، ونعلم أي طريق نسلك لتفسير النص وإزالة الغموض، بغية الوصول إلى المعنى المراد، ومعرفة الحكم الذي ينطوي عليه ذلك النص من كتاب الله أو سنّة رسوله صلوات الله وسلامه عليه.
* * *
[من ثمرات الاختلاف في المجمل]
لقد كان من ثمرات اختلاف وجهات النظر بشأن المجمَل: أن وقع الاختلاف في عدد من نصوص الأحكام؛ هل هي داخلة في حدود الإجمال أو لا؟ وقع ذلك بين الحنفية وغيرهم، كما وقع بين المتكلمين بعضهم مع بعض على اختلاف المذاهب، بل وقع في بعضها بين أرباب المذهب الواحد. ونماذج ذلك موفورة في كتب الأصول، كما أن كتب الفروع عمومًا لا يعني أصحابها أنفسهم - في الغالب - من الإلماح إلى مثل هذا الخلاف، كما يرى مثلًا في "الهداية" وشروحها حين يعرض لحكم مسح الرأس، وما