للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا - مسألة الإطعام في الكفارة:

أجمع أهل العلم على أن الواجب على المظاهر، إذا لم يجد الرقبة في كفارة الظهار، ولم يستطع الصيام: هو إطعام ستين مسكينًا، كما أمر الله في كتابه وكما جاء في سنّة نبيه (١).

وقد ذهب مالك والشافعي وأحمد - في الراجح عنه - إلى أن الواجب إطعام ستين مسكينًا، لا يجزئه أقل من ذلك.

واستدلوا على مذهبهم بقوله تعالى: ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ فهو يدل دلالة ظاهرة على وجوب إطعام هذا العدد (٢).

وذهب أبو حنيفة وأحمد - في رواية حكاها عنه القاضي أبو الحسين - وزيد بن علي والناصر: إلى أنه لو أطعم مسكينًا واحدًا ستين يومًا أجزأه ذلك. قالوا: وهذا في الإباحة من غير خلاف (٣).

أما الحنفية ومَن معهم: فقد أوّلوا النص القرآني بحَمْلِه على أن الواجب إطعام طعام ستين مسكينًا، ويجزئ ذلك بإعطاء هذا المقدار من الطعام ولو


(١) الظهار: أن يقول الرجل المسلم لزوجه: أنت عليّ كظهر أمي، وفي القرآن الكريم والسنة المطهرة بيان لحكم الله في هذا الأمر، وتفصيل ذلك يُرى في مظانه من كتب الفقه، قال تعالى في سورة المجادلة: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٤)﴾.
وقد روى أبو داود (٢٢١٤) حديث خويلة بنت مالك بن ثعلبة التي قالت: "ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت فجئت رسول الله أشكو إليه فأنزل الله آية الظهار فقال: "يعتق رقبة" فقلت: لا يجد، قال: "يصوم شهرين متتابعين" قلت: يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: "فليُطعم ستين مسكينًا"، قلت: ما عنده من شيء يتصدّق به، قالت: فأتي ساعتئذ بعَرَق تمر، قال: "قد أحسنت، اذهبي فأطعمي بهما عنه ستين مسكينًا وارجعي إلى ابن عمك" قالت: والعرق ستون صاعًا. وانظر: "معالم السنن" للخطابي (٣/ ٣٥٢).
(٢) راجع: "معالم السنن" للخطابي (٣/ ٣٥٢)، "إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد (٢/ ٣)، "المغني" لابن قدامة (٢/ ٣٦٩)، "بلوغ المرام" مع "سبل السلام" (٣/ ٨٩).
(٣) راجع: "الهداية" مع "فتح القدير" (٣/ ٢٤٣)، "المغني" لابن قدامة (٢/ ٣٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>