العموم: فهؤلاء ينكرون وجودها لهذا الغرض في أصل الوضع، وذلك لأنها أُطلقت وأريد بها الخصوصُ كما يدَّعون.
ب - أما عن الشق الثاني: وهو مسألة السواد والبياض، فنرى ابن حزم يخرج عن الدائرة التي بجري فيها الاستدلال.
والقوم في دعواهم أن السواد لا يوضع على البياض، إنما يحصرون كلامهم في الألوان. أما أن يلزمهم ابن حزم باشتقاق أسود من السيادة الذي هو على وزن أفضل، كما أن أسود اللون المعروف على وزن أفعل: فهذا يذكرنا باتهامه للكثيرين بالسفسطة.
وكان يحسبه أن يرد عليهم: بأن العموم الذي أريد به الخصوص، كان في حالات قام الدليل عليها، وإلا فهي داخلة في باب المجاز، كما سيأتي في بعض ردوده على المخالفين، وكما رد غيره من أرباب مذهب العموم، وقد رأينا ذلك من قبل (١).
[الحجة الثانية]
ولأرباب الوقف حجة وصفها ابن حزم بالتمويه، فذكر أنهم موهوا أيضًا بما هو عليهم لا لهم: وهو تردد بني إسرائيل في أمره تعالى لهم بذبح البقرة. يعني ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٦٧) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (٦٨) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (٦٩) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)﴾ [البقرة: ٦٧ - ٧١].
والحق أنها شبهة واهية؛ لأن الله ذكر ترددهم في معرض الذم الشديد.