للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه لو كان كذلك: لم يقع على أحد طلاق، لأن أحدًا لا يطلِّق حتى يغضب (١).

٤ - ويؤيد ما ذهبنا إليه، ما ذكرناه عن الصحابة ومن بعدهم، وما حصل من فتوى عمر ، بعدم وقوع طلاق الرجل الذي هددته امرأته بقطع الحبل وهو يشتار العسل، إن لم يطلقها؛ فلقد قالها عمر بوضوح: "ارجع إلى أهلك ليس هذا بطلاق".

٥ - على أن الأمر بعد هذا كلّه، واضح في أن المكرَه قد حُمل على الطلاق بغير حق، فلا يصح أن يلتزِم بآثار هذا الإكراه.

قال صاحب "المهذب" بعد أن أورد حديث ابن عباس: (ولأنه قول حُمل عليه بغير حق فلم يصح، كالمسلم إذا أُكره على كلمة الكفر) (٢).

وكان ذلك أيضًا صنيعَ ابن قدامة، حيث وصف كلام المكره على الطلاق، بأنه قول حُمل عليه بغير حق، فلم يثبت له حكم، ككلمة الكفر إذا أُكره عليها (٣).

مسلك ابن حزم في المَسْألة:

أما ابن حزم: فقد سلك مسلكًا خاصًّا، حيث اعتبر هذا الإكراه بغير حق، عملًا بلا نية؛ فطلاق المكره غير لازم له، لأن رسول الله يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" فصحّ أن كل عمل بلا نية، فهو باطل لا يعتد به. وطلاق المكره عمل بلا نية فهو باطل، وإنما هو حاكٍ ما أُمر بقوله فقط، ولا طلاق على حاكٍ كلامًا لم يعتقده. وقد صحّ عن رسول الله قوله: "إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه" (٤).

هذا: وللعلماء مباحث مستفيضة تتناول حقيقة الإكراه، وأركانه،


(١) راجع: "نيل الأوطار" (٦/ ٢٥٠) هذا وقد أعلّ الحديث بأن في إسناده محمد بن عبيد بن صالح - الذي ضعّفه أبو حاتم الرازي - ولكن البيهقي رواه من طرق أخرى سليمة.
(٢) راجع: "المهذب" للشيرازي (٢/ ٧٨).
(٣) راجع: "المغني" (٧/ ١١٨) فما بعدها.
(٤) راجع: "المحلى" (١٠/ ٢٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>