قدّمنا أن شرّاح القانون أخذوا في تفسير النصوص بالمفهوم بنوعَيْه، واعتبروا كلًا من مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة، طريقًا يدل على حكم المسكوت، وبذلك سلكوا سبيل الجمهور عند فقهاء المسلمين.
ولئن رأينا اختلافًا عن المسلك الصحيح عند البعض في مفهوم الموافقة، إن الاتفاق واقع على الأخذ بمفهوم المخالفة بمعناه المعروف في قواعد التفسير عند علماء الأصول وهو: دلالة اللفظ على حكم للمسكوت، مخالفٍ لحكم المنطوق، وذلك لانتقاء قيد من القيود المعتبرة في هذا الحكم. فالنص كما يدل بمنطوقه، ومفهومه الموافق، يدل أيضًا بمفهومه المخالف. ومن أمثلة ذلك ما يلي:
١ - نصت المادة / ٤٦٦/ من القانون المدني في مصر على أنه "إذا باع شخص شيئًا معينًا بالذات وهو لا يملكه، جاز للمشتري أن يطلب إبطال البيع" فمنطوق النص يدل على جواز إبطال البيع إذا كان المبيع معينًا، حيث قيّد الحكم بوصف المبيع بالتعيين.
فيدل النص بمفهومه المخالف - وهو هنا مفهوم الوصف - على أن بيع الشيء غير المعين بالذات ليس قابلًا للإبطال (١).
٢ - قضت المادة الرابعة من القانون المدني أن مَن استعمل حقه استعمالًا مشروعًا: لا يكون مسؤولًا عما ينشأ عن ذلك من ضرر.
وهي تدل بمفهومها المخالف: أن مَن يستعمل حقه استعمالًا غير مشروع: يكون مسؤولًا عما ينشأ عن هذا الاستعمال من ضرر، فانتفى حكم عدم المسؤولية بانتفاء وصف المشروعية الذي قيّد به الاستعمال.
وهكذا يلاحظ في هذين المثالين أن المفهوم المخالف فيهما هو من نوع مفهوم الوصف.
٣ - نصت المادة / ٤٣٧/ من القانون المدني المصري على أنه "إذا هلك المبيع قبل التسليم لسبب لا بد للبائع فيه، فسخ المبيع واسترد المشتري