للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحقيق بمن أتى بفاحشة قوم ما سبقهم بها من أحد من العالمين، أن يصْلى من العقوبة ما يكون في الشدة والشناعة مشابهًا لعقوبتهم. وقد خف الله تعالى بهم واستأصل بذلك العذاب بكرهم وثيّبهم) (١).

[تعارض دلالة النص مع الإشارة]

عرضنا عند البحث في إشارة النص ما يتعلق بحكمها من اتجاهات، وأوضحنا أن الأكثرين على القول بقطعيتها، وقد ترد ظنية.

وتبين مما سبق: أن حكم دلالة النص هو حكم إشارة النص؛ فيكون الثابت بها كالثابت بالإشارة؛ لأن في كليهما أخذًا بمعقول النص وروحه ومفهومه من ناحية الوضع اللغوي، لا من ناحية الرأي والاستنباط.

وإذا كانت الإشارة تتَّسم بالقطعية وقد تكون ظنية، فكذلك: دلالة النص، تلك الدلالة التي رأينا المتأخرين يقسمونها إلى قطعية وظنية، وقد مرّ بنا نماذج عن مدلولاتها في حالتَيْ قطعيتها وظنيّتها (٢).

إلا أنه في حالة تعارض دلالة الإشارة مع دلالة النص، تقدّم الإشارة على الدلالة: لأن الإشارة تدل على الحكم باللفظ نفسه وصيغته، وإن كان ذلك بطريق الالتزام.

أما دلالة النص: فقد مرّ بنا أن دلالتها على الحكم، مردها معرفة المناط الذي كان موجب الحكم، وذلك عن طريق اللغة، فهي تدل باللفظ نفسه ولكن بواسطة المعنى الذي كان الموجب للحكم في عبارة النص، ومعرفة تحققه في المسكوت عنه.

وهكذا تكون دلالة الإشارة: دلالة مباشرة عن طريق الالتزام، ودلالة النص: دلالة بواسطة المعنى الذي كان مناط الحكم. وما يدل بلا واسطة أقوى مما يدل بواسطة، فترجحت الإشارة على الدلالة عند التعارض.

وقد عبّر عن ذلك ابن ملك في شرحه "المنار" بأن (الإشارة وجد فيها


(١) انظر: "نيل الأوطار" (٧/ ١٢٤).
(٢) راجع ما سبق (ص ٤٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>