للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملائكة لا تزال تصلي على المرء ما دام في مصلاه الذي يصلي فيه ما لم يحدث" (١) ولم يخص صلاة من صلاة، بحيث شمل صلاة الجمعة وغيرها مع أن الصلاة التي ورد الأمر بالانتشار بعدها هي صلاة الجمعة، فصح أن الانتشار مباح، إلا للحدث، والنظر في مصالح نفسه وأهله: فهو فرض.

وفي قوله بعد النهي عن زيارة القبور: "إلا فزوروها" بيّن ابن حزم أن الفرض لا يكون إلا محدودًا، أو موكولًا إلى المرء ما فعل منه، أو محمولًا على الطاقة والمعروف، وليس في زيارة القبور نص بشيء من هذه الموجوه. ثم لو كان فرضًا: لكان زائرها مرة واحدة قد أدى فرضه في ذلك لما تقدم من إبطال التكرار.

وعن أمر الرسول بالانتباذ بعد نهيه عنه، قرر ابن حزم ما ثبت أن الرسول لم ينتبذ وإنما كان ينتبذ له، فصح أن الانتباذ ليس فرضًا ولكنه إباحة.

وفي قوله تعالى: ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] اعتبر ابن حزم الأمر في هذا النص للوجوب؛ فالمباشرة من الرجل لزوجته فرض ولا بد، ولا يحل له هجرها في المضجع، ولا الامتناع من وطئها إلا بتجافيها له عن ذلك (٢).

[القول بالوقف]

هذا ولم يخلُ الأمر بعد الحظر من القول بالوقف في دلالته حتى يرد البيان، ولكن كان ذلك على وجوه متعددة، كما سنرى عند إمام المحرمين والغزالي والآمدي، حيث وعدنا بذلك من قبل.

أ - فإمام الحرمين صريح في هذا التوقف دون أي تفصيل، وقد قال في "البرهان" بعد الحديث عما نحن فيه: (والحق عندي الوقف في هذه القضية، فلا يمكن القضاء على مطلقها، وقد قام الحظر بالإيجاب


(١) انظر: "الإحكام" لابن حزم (٣/ ٧٦ - ٧٨).
(٢) راجع: "الإحكام في أصول الأحكام" (٣/ ٧٦ - ٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>