والذي نخلص إليه بعد الجولة الماضية بين الواقفية ومخالفيهم في الرأي، أنه ليس للواقفية فيما ذهبوا إليه سند من اللغة أو الشرع، ولذا فإنا نخالفهم في أمر الوقف، ونرى اعتقاد عموم الألفاظ في الأزمان والأعيان إلا ما قام الدليل على أنه خارج عن العموم، كما سيأتي في مذهب أرباب العموم وتأييدنا له.
إلا أننا بعد كل الذي رأيناه من خطورة هذا المذهب والتخوف منه على النصوص، لا بد من أن نتساءل: هل كان لمذهب أرباب الوقف آثار عملية في فروع الأحكام؟
الواقع أنا لا نرى للواقفية في فروع الفقه رأيًا أوقفوا فيه النص دون عموم أو خصوص.
ومعنى ذلك: أنها أبحاث نظرية اتخذت طريقها في مرحلة ما قبل أن يتبين لهم الدليل، والنتائج دلت على أنه قد ظهر لهم إما دليل العموم، وإما دليل الخصوص، فكانت فروغ المسائل منطبقة على هذه الأصول.
وإلى جانب ذلك: من الممكن أن نقرر أن المحور الذي كانت تدور حوله أكثر هذه الآراء عند الواقفية: إنما هو - فيما يبدو - محور الكلام في العقائد، وليس في الأحكام التكليفية التي جاء بها القرآن وتكفلت السنة بيانها البيان الشافي في أكثر الأحيان، وإن لم يكن هذا البيان شافيًا لحكمة يعلمها الشارع: كان بيانًا ينقل الألفاظ من الإجمال إلى الإشكال، حيث يعمل الاجتهاد عمله وتساعد القرائن على الاهتداء إلى المعنى المراد.
= إلا أننا في أول سماعنا، وقبل تفقهنا، لسنا مفتين ولا حكامًا، ولا منذرين حتى نتفقه؛ فإذا تفقهنا: حملنا حينئذ كل لفظ على ظاهره وعمومه، وحكمنا بذلك وأفتينا، وتدينا إلا ما قام عليه دليل: أنه ليس على ظاهره وعمومه، فنصير إليه، ولو أن حاكمًا أو مفتيًا لم يبلغه تخصيص ما بلغه من العموم، لكان الفرض عليهما الحكم بالذي بلغهما من العموم. وإلا فهما فاسقان حتى يبلغهما الخصوص فيصيران إليه). "الإحكام" (٣/ ١٠١).