للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طعام ستين مسكينًا. ولقد قرر الغزالي أن لسان العرب يتسع لهذا التأويل، وإن كان دليل المؤولين تجريد النظر إلى مسألة سدِّ الخلّة (١).

[موقف الكمال بن الهمام]

أما الكمال بن الهُمام من الحنفية: فقد اتجه غير اتجاه الحنفية في الحكم ولم يرتضِ ما جنحوا إليه من التأويل.

وقد بنى مخالفته لهم، وسلوكه سبيل الجمهور في المسألة، على أن حكم إطعام ستين مسكينًا نصت عليه الآية الكريمة. ومن المتفق عليه: أنه لا يجوز العمل بعلة تعود على ظاهر النص بالإبطال - كما سلف من قريب - والتعليلُ الذي بنى عليه الحنفية تأويلهم: من هذا القبيل.

ولذلك نراه يقول في "فتح القدير" عند تعليقه على ما ذُكر في "الهداية" وشرحها حول المسألة (٢): (إن الله تعالى نص على ستين مسكينًا، ويتكرر الحاجة في مسكين واحد: لا يصير هو ستين. فكان التعليل بأن المقصود سد خلة المحتاج - والحاجة تتجدد في كل يوم فالدفع إليه في اليوم الثاني كالدفع إلى غيره - مبطلًا لمقتضى النص فلا يجوز) (٣).

هذا: وقد أوضح ابن الهمام أن غاية ما يعطيه كلامهم - يعني المتأولين - أنْ يتكرَّر الحاجة يتكرر المسكين حكمًا، فكان تعددًا حكمًا، وردَّ على ذلك


(١) قال : (وليس هذا - يعني التأويل المذكور - ممتنعًا في لسان العرب، نعم دليله تجريد النظر إلى مسألة سد الخلة). انظر: "المستصفى" (١/ ٤٠١).
(٢) انظر: "فتح القدير" مع "الهداية" (٣/ ٢٤٣)، "التحرير" لابن الهمام وشرحه "التيسير" (١/ ١٤٦).
(٣) وقد استشهد ابن الهمام على أن الحنفية أشد موافقة لعدم اعتبار تعليل يبطل مقتضى النص: بمسألة ما إذا ملْك مسكينًا واحدًا وظيفة ستين بدفعة واحدة، فإنه لا يجوز لأن التفريق واجب بالنص، فيكون المدفوع كله عن وظيفة واحدة كما إذا رمي الجمرات السبع بمرة واحدة، تحتسب عن رمية واحدة، مع أن تفريق الدفع غير مصرّح به. وإنما هو مدلول التزامي لعدد المساكين الستين. فالنص على العدد أولى لأنه المستلزم. انظر: "فتح القدير" (٣/ ٢٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>