للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتجوا في ذلك بأن التكرار معنى زائد من الفعل، لأن مقتضى قوله: "افعل" أن يفعل ما يصير به فاعلًا، وهو بالمرة الواحدة يصير فاعلًا على الحقيقة، فمدعي الزيادة يحتاج إلى دليل) (١).

وإذا تركنا للزنجاني أمر نسبة هذا المذهب إلى الشافعي نفسه، فإنا مع القائلين بنفي اقتضاء التكرار عن صيغة الأمر المطلق، لما رأينا سابقًا من أدلة ذلك ولما ذكر هو دليلًا للحنفية في الموضوع. ولهذا الرأي مزيد من البيان نأتي إليه قريبًا إن شاء الله.

[مسلك القائلين بالمرة مع احتمال التكرار]

لقد أورد فخر الإسلام البزدوي سؤال الأقرع بن حابس الذي استدل به القائلون بالتكرار دليلًا لاحتمال التكرار؛ حيث قرر هؤلاء أنه لو لم يحتمل اللفظ في قوله : "حجوا" لما أشكل ذلك على الأقرع؛ فاحتمال


(١) ثم رتب على ذلك عددًا من الأحكام فقال: (ويتفرع عن هذا الأصل مسائل:
منها: أنه لا يجمع بين فريضتين بتيمم واحد عند الشافعي، لأن مقتضى قوله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: ٦] أن كل قائم إلى الصلاة يؤمر بالغسل بالماء إن قدر وبالمسح بالتراب إن عجز، والمتيمم في المكتوبة الثانية قاتم إلى الصلاة مأمور بالغسل إن قدر، فليكن مأمورًا بالمسح إن عجز. هذا ما يقتضيه ظاهر اللفظ أن يستثنى منه ما يقوم الدليل عليه، وعلى هذا لا يجوز فعل النوافل على وجهه.
ومنها: أنه لا يجوز التيمم لفريضة قبل دخول وقتها عند الشافعي، لأنه أمر بالغسل عند القيام إلى الصلاة، والأمر عام، غير أنه ترك العمل به في الوضوء لدليل، وهو أنه صار مقصودًا في نفسه، حتى تعبدنا فيه بالتكرار والتجديد، بخلاف التيمم فيبقى على مقتضى الصيغة.
وعنده - يعني أبا حنيفة - يجوز: لما ذكرناه).
انظر: (ص ٢٣) من "تخريج الفروع على الأصول" وراجع معها: "الإحكام" لابن حزم (٣/ ٧٥)، "مفتاح الوصول" للتلمساني (ص ١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>