والمسلك الثاني: هو الذي لا يعتبر مفهوم المخالفة حجة في الشريعة، ولا يراه طريقًا من طرق الدلالة على الحكم في نصوص الكتاب والسنّة.
فالنصوص تدل بمنطوق ألفاظها في محل النطق. وتدل بمفهومها الموافق في محل السكوت، وليس لها مفهوم مخالف تدل به على الأحكام.
وإذا انتفى حكم المنطوق عن المسكوت في نص من النصوص، فذلك لدليل آخر، كالعدم الأصلي أو البراءة الأصلية. وذلك كانتفاء وجوب الزكاة عن الغنم المعلوفة، وانتفاء حل التزوج بالأمة غيرِ المؤمنة.
فانتفاء وجوب الزكاة عن الغنم المعلوفة: ليس مستفادًا من تقييد وجوب الزكاة في الغنم بكونها سائمة في قول النبي ﷺ: "وفي سائمة الغنم من كل أربعين شاة شاة"(١) وإنما هو مستفاد من العدم الأصلي إذ الأصل عدم وجوب الزكاة، وقد ورد النص بوجوبها في الموصوفة بالسوم (السائمة) فيبقى ما عداها على العدم الأصلي وهو انتفاء الوجوب.
وكذلك انتفاء حل الزواج بالأمة غير المؤمنة: ليس مستفادًا من تقييد حل الزواج، بأن تكون الأمة مؤمنة، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٠].
ولكنه مستفاد من الأصل: إذ الأصل هو الحرمة، وقد ورد النص بالحل في شأن الفتيات المؤمنات، فيبقى ما عداهن على العدم الأصلي وهو الحرمة.
(١) من حديث الصدقة فيما أخرجه أحمد في "مسنده" (١١٣٢٧) وأبو داود (١٥٦٨) والترمذي (٦٢١) والنسائي (٢٤٤٧) وابن ماجه (١٨٠٠) والحاكم في "المستدرك"، وانظر: (ص ٣١٧) مما سبق، وينظر: "الجامع الصحيح" للبخاري (١٤٤٨) و (١٤٥٣) مع "فتح الباري".