الذي يعنيه علماء الأصول في الشريعة الإسلامية: كان صنيع عدد من الباحثين.
فمثلًا رأينا الدكتور عدنان القوتلي، بعد أن يأتي على التعريف المذكور للقياس (مفهوم الموافقة) كما نقلناه عن صاحبي "أصول القانون" يقرر أن فقهاء الإسلام يطلقون على القياس بالمعنى المذكور: اسم (مفهوم الموافقة) هكذا، بدون أي تحفُّظ أو تفريق بين قياس جلي، وبين قياس خفي.
وكذلك دون مراعاة أن العلة التي تدرك بمجرد فهم اللغة، هي مفهوم الموافقة، وأن العلة التي لا تدرك إلا بالاجتهاد والرأي: هي سمة القياس على إطلاقه (١).
وهكذا: يلاحظ أن هذا المسلك يفترق عن سابقه الذي يقوم على التفريق بين مفهوم الموافقة والقياس، بثلاثة أمور:
أولها: عدم التفرقة بين القياس وبين مفهوم الموافقة؛ فكلاهما قياس يسبب علة اشترك فيها المنطوق والسكوت عنه، أيًا كانت صفة هذه العلة، سواء أكانت مما يمكن إدراكه بمجرد المعرفة باللغة، أم كانت مما لا يمكن إدراكه إلا بالرأي والاجتهاد.
الثاني: التفريق بين حالتَي مفهوم الموافقة، من حيث مساواة المنطوق مع المسكوت في العلة، أو أولوية المسكوت بها على المنطوق.
فالحالة الأولى: مفهوم موافقة أو قياس، والحالة الثانية: استنتاج من باب أوْلى، أو قياس الأولى.
الثالث: عدم التفريق بين وجود النص أو عدمه؛ فمفهوم الموافقة والاستنتاج بالأولى: كلاهما قياس، وكلاهما طريق من طرق تفسير النص الداخلية.
[رأينا في الموضوع]
وإنا لنرى أن المسلك الأول، الذي يقوم على التفريق بين القياس على إطلاقه - وفيه القياس الخفي - وبين مفهوم الموافقة: هو الطريق الذي
(١) راجع: "الوجيز في شرح القانون المدني" للدكتور عدنان القوتلي (ص ١٩٦) الطبعة الرابعة، وانظر: "محاضرات في المدخل للقانون" للدكتور حسن كيرة (ص ٢٢٠ - ٢٢١)، "مبادئ العلوم القانونية" لمحمد علي عرفة (١/ ١٩٥ - ١٩٧) الطبعة الثانية.