للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى أية حال: سواء أكان هذا القول مذهبًا قائمًا بذاته، أم كان قولًا يراد به غيره؛ فإن الاستدلال لادعاء أن مقتضى الأمر مرةٌ واحدة بخصوصها على غاية من الضعف - كما رأينا - فهو لا يقوى على الصمود أمام المذهب الذي اختاره الأكثرون.

[مسلك القائلين بالتكرار]

لقد كان أهم ما احتج به أصحاب مذهب التكرار: ما ورد في الحديث الصحيح عن أبي هريرة قال: (خطبنا رسول الله فقال: "أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج، فحجوا"، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله، فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله : "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم" ثم قال: "ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء، فدعوه") (١).

وطريق الاحتجاج بهذا الحديث عند أصحاب هذا المذهب: أنه لو لم تكن صيغة الأمر في قوله : "حُجوا" ترجب التكرار لما


(١) أخرجه مسلم (١٣٣٧) وفي رواية للنسائي (٢٦١٨) تصريح بأن السائل هو الأقرع بن حابس ونص هذه الرواية: (عن ابن عباس أن رسول الله قام فقال: "إن الله كتب عليكم الحج"، فقال: الأقرع بن حابس التيمي: كل عام يا رسول الله؟ فسكت فقال: "لو قلت نعم لوجبت، ثم إذًا لا تسمعون ولا تطيعون، ولكنه حجة واحدة". وقد أشار الإمام النووي إلى هذه الرواية في "شرحه تصحيح مسلم" حين قال: (هذا الرجل السائل هو الأقرع بن حابس كذا جاء مبينًا في غير هذه الرواية). وللنسائي أيضًا رواية أخرى باختلاف يسير عن رواية مسلم وهي: (عن أبي هريرة قال: خطب رسول الله الناس فقال: "إن الله ﷿ قد فرض عليكم الحج"، فقال رجل: في كل عام؟ فسكت عنه حتى أعاده ثلاثًا، فقال: "لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت ما قمتم بها، ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بالشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم من شيء فاجتنبوه" "صحيح مسلم بشرح النووي" (٩/ ١٠٠)، "النسائي بحاشية السندي على شرح السيوطي" (٥/ ١١٠ - ١١١). وانظر ما سلف: (٢/ ٢١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>