للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: غير مشروع بأصله ولا بوصفه وهو "الباطل".

والثاني: مشروع بأصله دون وصفه وهو "الفاسد" (١).

[معنى الفساد في العبادات عند الحنفية]

على أن التفريق بين البطلان والفساد عند الحنفية، كائن في عقود المعاملات. أمل العبادات: فقد صرح ابن الهمام أن الفساد فيها هو البطلان، لأن المقصود من العبادة التقرب إلى الله تعالى ونيل ثوابه، فإذا لم يتوافر لها ما يجعلها سببًا لمحكمها الذي شرعت له: تحقق فيها وصف البطلان إذ إنها تصبح عديمة الفائدة. فإذا صام المكلف يوم العيد مثلًا، لم ينله الثواب الذي شرع له الصوم، ولم تبرأ ذمته من صوم واجب آخر. جاء في "التحرير وشرحه التقرير" في معرض كلام ابن الهمام عن البطلان: (ويجب مثله في العبادات كصوم العيد، فإن النهي عنه ملازم، وهو الإعراض عن ضيافة الله تعالى، فكان - بعد كونه حرامًا لانعقاد الإجماع عليه بعد النهي عنه -: باطلًا لعدم الحل والثواب) (٢). ولما كان في النكاح ناحية تعبدية: كان فاسدُه كباطله على سواء (٣).

[ما بقي فيه الاختلاف]

وهكذا ترى أن الفساد بمعنى البطلان في العبادات، متفق عليه بين جميع الفرقاء، حتى الحنفية الذين كان التفريق بين الفساد والبطلان من اصطلاحهم. وقد بقي الاختلاف في المعاملات: ورغم حكم الحنفية بصحة الأصل دون الوصف، وترتيبهم الآثار المقصودة على العمل المنهي عنه: فقد أحاطوا ذلك بوجوب إزالة سبب النهي الذي اقتضى الإثم بقصاد الوصف ما أمكن، وكما مر سابقًا: عندما يجعلون البيع بالخمر سيبًا للملك: يعتبرون المكلف في


(١) وانظر: "كشف الأسرار" (١/ ٢٥٩)، وانظر: "تخريج الفروع على الأصول" للزنجاني بتحقيق المؤلف (ص ٧٦ - ٧٧).
(٢) راجع: "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (١/ ٣٣١ و ٣٣٢)، وانظر: "أصول السرخسي" (١/ ٨٣).
(٣) "بدائع الصنائع" للكاساني (٢/ ٣٣٥)، "فتح القدير" لابن الهمام (٢/ ٣٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>