للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ضابط المسألة عند أبي زيد الدبوسي]

وبعد: فإن أبا زيد الدبوسي قد ضبط هذه المسألة وسابقتها (١) ومثيلاتها تحت أصل واحد، قوامه: استيفاء مراد النص في الصدقة، وهو سد الخلة ودفع الحاجة. وقد اعتبر هذا الأصل مما اختلف فيه الحنفية مع الإمام الشافعي، ورَدَّ إليه كثيرًا من مسائل الخلاف الفرعية في المذهبين.

قال : (الأصل عند علمائنا أن مَن وجبت عليه الصدقة إذا تصدّق على وجه يستوفي به مراد النص منه، أجزاء عما وجب عليه. وعنده - يعني الشافعي - لا يجزيه. وعلى هذا مسائل:

قال أصحابنا: إذا وجبت الزكاة في الدراهم، فأدّى بدلها حنطة أو غيرها جاز عندنا؛ لأن مراد النص سد خلة الفقير ودفع حاجته، وقد حصل. وكذلك في صدقة الفطر، وكفارة اليمين، وكلّ صدقة وجبت بإيجاب الله تعالى، أو وجبت بإيجاب العبد على نفسه، فإنه يجزيه أن يعطي القيمة عندنا. وعند الإمام أبي عبد الله الشافعي: لا يجوز. ثم قال: وعلى هذا ما قال أصحابنا: إذا تصدّق على مسكين واحد في كفارة يمينه عشرة أيام كل يوم بمنَوَين أو مُدَّين حنطة: جاز. وعند أبي عبد الله لا يجزيه. وعلى هذا قال أصحابنا: إن المظاهر إذا أطعم مسكينًا واحدًا ستين يومًا كل يوم بمنوين حنطة: أنه يجزيه عندنا. وعند الإمام أبي عبد الله الشافعي لا يجزيه) (٢).

ثم أتى أبو زيد بعدد من المسائل الأخرى.

ونحن إذ لم نرتضِ تأويل الحنفية في مسألة الإطعام السابقة، لا نوافق الإمام الدبوسي على هذا التعميم في الأصل الذي وضعه، وقد أسلفنا من قبل: أن تأويل العدد (ستين) في المسألة الماضية (بطعام ستين) لم يقم عليه


(١) وهي التي قامت على تأويل ﴿فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ بإطعام طعام ستين مسكينًا. انظر ما سبق (ص ٣٣٠).
(٢) راجع: "تأسيس النظر" للدبوسي (ص ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>