للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد أطال ابن حزم في الدفاع عن هذا الاتجاه الظاهري، ورد على المخالفين بطريقته الخاصة في الرد. ولقد بلغه قول بكر البشري: إنما ضلّت الخوارج بحملها القرآن على ظاهره فندّد بهذا القول، وردّ أيضًا فأحسن الرد.

قال في "الإحكام": (وأما قول بكر: إن الخوارج إنما ضلّت باتباعها الظاهر: فقد كذب وأفك، وافترى وأثم. ما ضلّت إلا بما ضلّ هو، من تعلقهم بآيات ما، وتركوا غيرها، وتركوا بيان الذي أمره الله ﷿ أن يبين للناس ما نزل إليهم، كما تركه بكر أيضًا - وهو رسول الله - ولو أنهم جمعوا آيَ القرآن كلها وكلام النبي وجعلوه كله لازمًا وحكمًا واحدًا ومتّبعًا كله لاهتدوا. على أن الخوارج أعذر منه وأقل ضلالًا؛ لأنهم لم يلتزموا قبول خبر الواحد. وأما هو: فالتزم وجوبه ثم أقدم على استحلال عصيانه.

والقول الصحيح: هو أن الروافض إنما ضلّت بتركها الظاهر واتباعها ما اتبع بكر ونظراؤه من التقليد، والقول بالهوى بغير علم ولا هدّى من الله ﷿ ولا سلطان ولا برهان (١).

[رأينا في هذه النقطة]

ونحن مع تسليمنا بأن الأخذ بالظاهر هو الأصل، وأن طريق الظاهرية أقرب إلى السلامة. . نرى أن ما يقوله الظاهرية وابن حزم فيمن يخالف الأخذ بالظاهر، إنما ينطبق على المغالين بالتأويل أمثال بعض الفرق كالمرجئة والباطنية، وقد رأينا نماذج من كلامهم فيما سبق، ونقل هو إلينا شيئًا من كلام بكر البشري.

أما الأئمة المعتبرون الذين أخذوا بالتأويل: فقد وضعوا له الشروط التي أسلفنا الحديث عنها، وهي شروط إذا التزمها المؤول كان في مأمن عن


(١) "الإحكام في أصول الأحكام" (٣/ ٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>